قضايا وآراء

إسرائيل منطقة غير آمنة

| علي عدنان إبراهيم

يعترف العدو وتؤكد على اعترافه جميع حركات المقاومة في المنطقة، بأن ما يجري منذ 9 أشهر هو حرب استنزاف للكيان، وهذه الحرب ستكون نهايتها، في أحسن الأحوال بالنسبة للعدو، اعتراف الكيان بفشله بعد أن يركع على ركبتيه ويقبل بكل الشروط التي ستوضع لوقف الهجمات والمناوشات التي أنهكت اقتصاده وأفقدته حالة الردع وسلبته دعم الرأي العام العالمي وقوّت موقف فلسطين وأجبرت حتى حلفاؤه على الاعتراف والتأكيد بأن حل الدولتين هو الحل المناسب والأمثل الأمر الذي رفضه الكنيست قبل أيام بقرار رسمي هو الأول من نوعه ليفقد بذلك أيضاً ورقة المناورة هذه ويضع نفسه في مأزق عالمي.

وعلى مدى الأشهر التسعة الماضية كانت حرب غزة بالنسبة لزعماء الكيان أمراً لا مفر منه على الرغم من الخسائر الهائلة التي يتكبدها جيش الاحتلال على مستوى الجنود والآليات، أما جبهتا الضفة والشمال فكان لهما ترتيب آخر، فالضفة الغربية التي تتغلغل المستوطنات فيها تبدو مهيأة لهجمات كبرى على هذه المستوطنات ومن فيها، إلا أن ما ينقص كتائب المقاومة في هذه الجبهة العتاد الثقيل وصعوبة التحرك أمام أعين جواسيس العدو المنتشرين في كل مكان، كما أن يد جيش الاحتلال في الضفة طولى على اعتبارها قريبة من مركز ثقله في تل أبيب، أما جبهة الشمال فتم ضبط إيقاعها منذ بداية الحرب بحدود رغب حزب اللـه بوضعها لإتمام استراتيجية معينة والتزم بها الكيان لخوفه من توسع الجبهة ودخول قوات الحزب للجليل الفارغ من المستوطنين الفارين رعباً وتحريره بشكل كامل، وإلى الشرق أي جبهة العراق فالمقاومة هناك تعاني من الرقابة الأميركية والضربات القاسية التي وجهت لها، وكذلك جدران الصد التي تستهدف أي مقذوف يخرج من الأراضي العراقية متوجهاً نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى الرغم من ذلك فإن المقاومة العراقية تشكل طرفاً خطيراً على الكيان خاصة مع التنسيق عالي المستوى الذي تمارسه جبهات المقاومة معاً ضد كيان الاحتلال في ما بات يسمى «وحدة الساحات».

عند الحديث عن الجبهة الأبعد، ولا مبالغة بالقول إنها الأعظم تأثيراً، أي جبهة اليمن التي صُمم لها تحالف دولي خاص باسم «حارس الازدهار» وفُرزت لقمع مخططها وإفشاله حاملات طائرات وسفن حربية مزودة بأعتى الصواريخ التي اعتدت مراراً على الأراضي اليمنية خلال الأشهر الماضية وخلفت عشرات الشهداء والجرحى، فهذه الجبهة التي شاركت بقوة في تدمير الاقتصاد الإسرائيلي ووضعه في موقف حرج عبر إغلاق ميناء إيلات بشكل كامل والتسبب بخسارته ملايين الدولارات الأميركية واقتراب إعلان إفلاسه بشكل كامل مع تسريح أكثر من نصف الموظفين لعدم فائدتهم وعدم القدرة على دفع رواتبهم، وضعت الكيان خلال الأيام الأخيرة على المحك من جديد بطرق بوابة «تل أبيب» بطائرة مسيرة انفجرت في أحد الأبنية وقتلت مستوطناً واحداً على الأقل حسب تصريحات إعلام العدو وجرحت آخرين، هذه الطائرة الصغيرة التي انطلقت من اليمن لتصل تل أبيب على بعد ألفي كيلومتر أعلنت عن دخول الحرب مستوى جديداً وهو المستوى الخامس، وأكدت أن «تل أبيب منطقة غير آمنة» مع ما يعنيه ذلك بالنسبة للإسرائيليين من انهيار كامل للردع وفقدان السيطرة والخوف الحقيقي من المستقبل، ولهذا السبب كان القرار السريع من سلطات الاحتلال، وقد يكون الأوحد الذي أيدته المعارضة مباشرة، بالرد على المسيرة بهجوم كبير شنه سرب مكون من 20 طائرة حربية قطعت مسافة قد تكون الأبعد في تاريخ الكيان لتقصف ميناء الحديدة وخزانات النفط ومنظومات الكهرباء، لكن هذه الهجمات تمت إزالة نتائجها قبل مضي 24 ساعة، ليخرج قائد حركة أنصار اللـه اليمنية عبد الملك الحوثي في خطاب أعقب العدوان الإسرائيلي ويؤكد إخفاق هذا العدوان وهدفه ببناء حالة ردع جديدة حيث قال: « قدرات العدو الإسرائيلي على الردع قد انتهت، ومهما فعل العدو لن يتوفر له الردع أبدا»، وزاد رعب الإسرائيليين رعباً حين أعلن أن عاصمتهم أصبحت منطقة غير آمنة: «العدو لم يعد آمنا حتى في ما يطلق عليه عاصمته تل أبيب والتهديد والخطر الذي يواجه العدو سيستمران، وقصف تل أبيب يأتي ضمن معادلة جديدة».

الحوثي تحدث عن معادلة جديدة تم فتح بابها على مصراعيه، ولن يكون إطلاق أسراب من طائرات الـ F16 لتقطع من صحراء النقب مسافة ألفي كيلومتر وتقصف مواقع في اليمن الشاسع حلاً ناجعاً أمامها، هذا في حال لم يتم الحديث عن استهدافات أشد خطورة لمواقع إسرائيلية كحقول الغاز في البحر المتوسط أو ربما مفاعل ديمونا أو إحدى المنشآت الكيماوية في ميناء حيفا، كما أكد المتحدث الرسمي باسم جماعة أنصار اللـه محمد عبد السلام في مقابلة تلفزيونية حيث قال: «المواجهة مع العدو الصهيوني ستكون مفتوحة وبلا حدود ولا خطوط حمر، ولن تلتزم الجماعة فيها بأي قواعد للاشتباك»، وهنا يمكن الجزم بأن الردع الإسرائيلي تحطم وتناثر تماماً، بل وأصبحت إسرائيل كلها منطقة غير آمنة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن