باريس.. والعلم السوري
| فراس عزيز ديب
ساعات قليلة ويبدأ حفل الافتتاح الرسمي لدورة الألعاب الأولمبية الثالثة والثلاثين في العاصمة الفرنسية باريس، حيث يعود الحدث الرياضي الأضخم إلى فرنسا بعدَ ما يقرب القرن من الزمن، أما حفل الافتتاح فسيحمل طابعاً جديداً من حيث عدم حصره في استاد ضخم، بل سيتم استعراض الوفود المشاركة بمراكب تعبر نهر السين الذي يشكل رمزاً من رموز باريس، ما يتيح لأكبرَ عددٍ من الناس مشاهدته عن قرب.
منذُ انطلاق الألعاب الأولمبية أُريدَ لهذا الحدث أن يكون جامعاً لمحبي السلام في العالم بحيث يكون التنافس الرياضي هو أسمى من كل الخلافات السياسية وغير السياسية، هذهِ الفكرة نجحت في أكثر من مناسبة عندما تمكنت الرياضة بشكلٍ عام من تجاوز الكثير من الصراعات، كما فعل منتخب ساحل العاج الذي تمكن من إيقاف الحرب الأهلية هناك، وغيرها الكثير من الأمثلة، لكن هناك للأسف من حوَّل الأحداث الرياضية إلى ساحة بازار سياسي، واللافت بأن أول المطالبين بفصل الرياضة عن السياسة هم من أوقع الرياضة في متاهات السياسة، فمثلاً عندما بدأت الحرب الروسية – الأوكرانية اجتمعت الهيئات الرياضية الدولية بما فيها اللجنة الأولمبية الدولية واستبعدوا الفرق الروسية من جميع المشاركات، بما فيها دورة الألعاب الأولمبية، لكن لو خاطبنا الغرب بلغته وقلنا هذا جميل على اعتبار أن الروس هم من بدؤوا المعارك سيبتسمون ابتسامة المنتصر لكن سرعان ما تختفي هذه الابتسامة عندما تسألهم:
ولماذا لم تفعلوا الشيء ذاته عندما هاجمت الولايات المتحدة الأميركية كلاً من أفغانستان والعراق أو عندما هاجمت فرنسا دولة مالي وأخيراً ماذا عن جرائم الكيان بحق الفلسطينيين ألا يستحق وقفة رياضية شجاعة؟ هنا يصمتون، لأن الأجوبة المُتاحة خارج نطاق نفاقهم الإنساني، لكن ماذا عن الوجود السوري؟
في الحقيقة وإن كان من مدعاة الفخر لنا رؤية العلم الأغلى يرفرف في سماءِ عاصمة النور إلا أن وجود هذا العلم بعد مايقارب العقد ونصف العقد من التآمر عليه هو مصدر غيظٍ لكل المتآمرين، رؤية العلم يرفرف في سماء باريس هي استذكار جميل ووفاء لتلك الدماء الطاهرة التي ارتقت ليبقى هذا العلم، لكن على طريقة خلط السياسة بالرياضة لدينا أيضاً من يخلطون فشلهم بانتصارات السياسة، كقول البعض:
يكفينا رفع العلم في هذا المحفل!
بصراحة لا أحب كثيراً هذه العبارة لأنها كلام حق أريد به باطل، هي ببساطة نوع من الهروب من الفشل الذي ينتظرنا مع كل استحقاقٍ رياضي، وحده بطلنا معن أسعد يبدو الشعلة المضيئة التي قد تفرحنا بإنجازٍ ما عدا عن ذلك فلا تنتظروا حدوث المعجزات لأن الرياضة اليوم علم وتخطيط وليست ارتجالية وتبريرات وادعاء مؤامرات، سنفرح برفع العلم حكماً لكن ستبقى الرياضة السورية هي الغصة التي استعصت على الحل، أو على طريقة الراحل الكبير عدنان بوظو: هذهِ حدودنا..
لكن مهلاً عندما تكون هذه الحدود صامدة بوجهنا منذ خمسة عقود أعتقد أن المشكلة ليست بها.. أليس كذلك؟!