قضايا وآراء

نتنياهو يمني النفس بعودة ترامب لتنفيذ مشروع الشيطان

| محمد نادر العمري

يقترب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من دخول شهره الحادي عشر منذ إطلاق ما سمي بعملية «السيوف الحديدية» والتي جاءت كرد اعتبار على ما أحدثته المقاومة وفصائلها المتعددة من هزة إستراتيجية لا يمكن إنكارها على المستوى الداخلي الإسرائيلي بمختلف الأصعدة الرسمية وغير الرسمية، وبمختلف القطاعات العسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية إثر عملية طوفان الأقصى فجر يوم السبت السابع من تشرين الأول لعام 2023.

هذه الهزة التي طالت معالم تداعياتها الخريطتين الإقليمية والدولية، رغم عدم انتهاء تبلور هذه التداعيات، إلا أنها كشفت عن خفايا ومشاريع سارع الكيان المغتصب، وحكومته اليمينية المتطرفة التي وصلت للسلطة لأول مرة في تاريخ هذا الكيان نهاية عام 2022، لتطبيقها الواقعي والميداني، ولاسيما مشروع «الترانسفير» أو ما عرف بمشروع تهجير أهالي قطاع غزة، والتي تحدثت عنها في إحدى مقالاتي السابقة ضمن صحيفة «الوطن» بتاريخ 18 كانون الثاني 2024، وكانت بعنوان: «مئة يوم.. جوهر طبيعة الصراع الوجودي».

وعلى الرغم من محاولة إنكار الجانب الرسمي للولايات المتحدة الأميركية موافقته على مثل هذه المشاريع التي تكاثرت بشكل يوحي بأنها كانت محضرة في السابق، بل كانت تنتظر التوقيت والظروف المناسبة، ولكنها لم تعارض بشكل جدي من إدارة جو بايدن، في محاولة لتكريسها كأمر واقع وتطبيقها على أهالي القطاع، لتصفية القضية الفلسطينية، تناغماً مع نهج ومبادئ المشروع الصهيوني منذ قبل إقامة هذا الكيان عام 1948، الذي زعم بأن فلسطين أرض بلا شعب.

لم تكن المفاجأة في الموقف الأميركي، ولكن الأبرز في هذا السياق، تمثل في تزايد الفجور الإسرائيلي عبر الدعوات لما سموه «الهجرة الطوعية» لأهالي قطاع غزة، والتي وردت على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأول مرة في اجتماع داخل حزب الليكود، بداية شهر كانون الأول من العام الماضي، ومن ثم توالى بعد ذلك ترديد هذا المصطلح من كل من وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير سواء في لقائه مع صحيفة «وول ستريت جورنال» في شهر شباط 2024، أو قبلها في لقاء سابق مع القناة الـ13 العبرية، عندما دعا لإعادة احتلال القطاع وفتح بوابة التهجير الطوعي للفلسطينيين، وكذلك وزير المالية بتسلئيل سموتريش الذي دعا بداية في منشور على صفحته «X» ومن ثم في عدد من التصريحات لأن يقدم المجتمع الدولي ومنظماته لإغراء أهالي القطاع بالتهجير الطوعي من القطاع.

غير أن فكرة الهجرة الطوعية، التي يتم تداولها من الساسة الإسرائيليين سواء من المنخرطين في الائتلاف الحكومي أو حتى الشخصيات المعارضة اليسارية، ليست بجديدة، وهي مرتبطة بالعقلية التي يمكن تسميتها بـالعقلية «الليكودية»، لكونها طبقت لأول مرة من قيادات حزب الليكود وبصورة خاصة من رئيس الحكومة مناحيم بيغن ووزيري الدفاع أرئيل شارون والخارجية إسحاق شامير، تجاه الفلسطينيين من الفصائل أو اللاجئين الموجودين في لبنان بعد غزو بيروت واجتياحها وحصارها في حزيران 1982، والتي أدت بعد التنكيل بالمخيمات والضغط الأميركي وقتل ما يزيد على 1 بالمئة من قاطني العاصمة بيروت حينها، إلى دفع مقاتلي منظمة التحرير وقادتها، للانتقال باتجاه تونس تحت مسمى «الهجرة الطوعية»، في اعتقاد من قادة هذا الكيان بوقف العمليات المقاومة تجاه الأراضي المحتلة، لتتكرس فكرة هذه الهجرة وفق ثلاثة مرتكزات أساسية ومترابطة:

المرتكز الأول: استخدام القوة العسكرية الفائضة لارتكاب المجازر وجرائم الإبادة على غرار مخيمي صبرا وشاتيلا وتدمير مقومات الحياة ومحاولة تأليب البيئة المحيطة للمقاومة ضدها، وذلك من خلال تحميل المقاومة مسؤولية كل ما يحصل، وجعل الفلسطينيين بين خيارين أحلاهما مرّ، أما الهجرة بأي طريقة ومهما كانت النتيجة من أجل البقاء على قيد الحياة، أو مواجهة الموت كما يتم اليوم تماماً في قطاع غزة.

المرتكز الثاني: الترويج للدعاية الإسرائيلية عبر القنوات الدبلوماسية والإعلامية وعلى كل المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وتهيئة هذه المستويات وإقناعها، بأن الحل الوحيد لوقف العنف هو بهجرة الفلسطينيين، وذلك في المنظمات الدولية أو في مفاوضات وقف إطلاق النار.

المرتكز الثالث: إيجاد دول مستضيفة أو استخدام آلية الضغط على الدول لاستضافة الفلسطينيين سواء بشكل مباشر أم بشكل غير مباشر من خلال الولايات المتحدة الأميركية.

وللأسف هذه المرتكزات الثلاثة، وإن لم تنجح حتى اليوم من بلوغها من حكومة الاحتلال، إلا أنها مازالت ضمن أولويات الأجندة الحكومية للكيان الإسرائيلي، والدليل على ذلك، ماثل أمامنا بشكل جلي، في استمرار حكومة اليمين المتطرفة باستخدام القوة العسكرية بشكل وحشي في قطاع غزة، والذي أدى حتى اليوم إلى وقوع ما يقارب من 200 ألف بين شهيد وجريح ومفقود، وتدمير ما نسبته 93 بالمئة من القطاع، إلى جانب تركيز المفاوض الإسرائيلي على المماطلة ومحاولة تحقيق منجزات سياسية عجز عن تحقيقها بالقوة العسكرية، حتى في إطار الأسرى، فإن حديث نتنياهو وجوقته اليمينية بأنه لا يريد الخضوع لشروط المقاومة، هو مجرد ذرائع واهية، إذ إن نتنياهو ذاته عندما كان رئيساً لحكومة الاحتلال عام 2011، توصل لصفقة تبادل، واعتبرها إنجازاً كبيراً له ولحكومته، عرفت باسم «صفقة شاليط» التي أطلق من خلالها 1027 معتقلاً فلسطينياً مقابل إطلاق الجندي شاليط.

إذاً لماذا تستمر الحرب؟ وعلى ماذا يراهن نتنياهو وائتلافه المتطرف؟ وما السيناريو الأخطر الذي يطمح إليه نتنياهو؟

الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة تكمن في دلالتين، الأولى هو تصريح بن غفير منتصف شهر شباط الماضي لصحيفة «وول ستريت جورنال» بقوله إن ترامب أفضل من بايدن، والثاني في دوافع الزيارة التي يقوم بها نتنياهو للولايات المتحدة الأميركية وأبعادها، فهو يسعى إلى استعطاف الأميركيين لتقديم المزيد من المساعدات للكيان الإسرائيلي، وإعلان دعمه للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، وهنا الرابط العضوي، ترامب وصفقة القرن، وهذا يعيد ذاكرتنا إلى عام 2018 بالتحديد، عندما تم هندسة معالم صفقة القرن التي تضمنت في مساراتها عدة نقاط أبرزها، وقف تمويل «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- أونروا»، التي اعتبرها نتنياهو حينها بأنها سبب رئيسي لتمسك الفلسطينيين بأرضهم، والتي سعى نتنياهو خلال العدوان الأخير لممارسة الضغوط الدولية لوقف تمويلها من خلال تشويه صورتها بعد اتهام عدد من موظفيه في القطاع بتقديم المساعدة للمقاومة في عملية طوفان الأقصى قبل أن يصوت الكنيست على اعتبارها منظمة «إرهابية»، ومن النقاط اللافتة حينها استخدام ترامب لسياسة العصا والجزرة على الدول الإقليمية والدولية لدعم الصفقة ونقل سفاراتها لتل أبيب والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان إلى جانب التطبيع، وهو ما يسعى نتنياهو لاستخدامه مع هذه الدول في هذا التوقيت، للضغط على هذه الدول الإقليمية لقبول توطين اللاجئين، وهو ما يتطلب شخصية في إدارة البيت البيضاوي مثل شخصية ترامب «المتطرفة في المبارزة والابتزاز»، أما النقطة الثالثة فهي المتعلقة بالخرائط التي انتشرت حينها لتوطين الفلسطينيين، في الأردن ومصر والعراق، وعملية تبادل الأراضي المقترحة، ولعل أبرز المناطق اللافتة حينها كانت الصحراء العراقية، وبصورة أكثر تحديداً الأنبار، التي شهدت خلال الشهور الماضية، ولاسيما بعد عملية طوفان الأقصى، زيارات متعددة في مقدمهم السفير البريطاني في العراق، ستيفن هيتشن، إلى جانب ضباط أميركيين، بالتزامن مع تسريب صحيفة «الغارديان» البريطانية معلومات مفادها في شهر آذار الماضي، أن هناك شركات بريطانية تسعى لتطوير البنى التحتية في منطقة الأنبار إلى جانب إقامة تجمعات سكنية واسعة.

هنا تكمن الإجابة، وفهم سبب استمرار الحرب، ومماطلة نتنياهو: نعم البقاء في السلطة والتهرب من المحاكمة القضائية والسجن هو سبب رئيسي ومؤثر للمماطلة، ولكن يمكن تفاديها وخاصة السجن بالخروج من إسرائيل ولاسيما أنه يحمل الجنسية الأميركية، ولكن السبب في مضمون تصريحه نهاية عام 2023، عندما قال: «قد تمتد الحرب إلى عام 2025» وهو العام الذي تشهد بدايته تولي الرئيس الأميركي الجديد، والذي يمني نتنياهو نفسه هو وائتلافه بأن يكون دونالد ترامب لتمرير مشروع الشيطان.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن