وزارة السعادة!
| عصام داري
تذكرت وأنا على وشك البدء في كتابة هذه الزاوية الشاعر العراقي الكبير كريم العراقي وهو القائل:
لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبه لا يؤلمُ الجرح إلا من به ألم.
كنت أنوي أن أشتكي لمن يسمع ويرى ويملك القرطاس والقلم، لكن بيت الشعر آنف الذكر جعلني أحجم عن الشكوى معتمداً على الحكمة القائلة: الشكوى لغير اللـه مذلة.
أصلاً لماذا الشكوى؟ وما الموجبات والسالبات كي يشتكي المواطن السوري المحظوظ بوجوده في بلد هو «جنة اللـه على الأرض» كما نسمع منذ آلاف السنين؟
كل ما يعانيه هذا المواطن جملة من المشاكل الصغيرة والتافهة التي لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين، لكن ليس أصابع مواطن واحد، بل جميع المواطنين!
من هذه المشاكل الصغيرة نذكر: الكهرباء والغلاء الذي طال كل شيء في البلاد وسبب الكآبة والخيبة للمواطن الصامد، من الغذاء إلى الدواء والكساء والوقود والاتصالات والمواصلات والمطاعم والفنادق والسكن، وبقية المشاكل والمحن.
هذه الأمور الصغيرة ستحلها الحكومة القادمة، وهذا وعد مني أنا شخصياً في حال صرت وزيراً للترفيه والسعادة في هذه الحكومة الموعودة.
هل قلت وزير السعادة؟.. نعم أعني ذلك تماماً، فما تحتاجه سوية اليوم وجود وزير للسعادة ليخفف من الألم الذي يسببه وزراء التعاسة والإحباط من الكهرباء إلى النفط إلى حماية المستهلك، أو حماية التاجر على حساب المستهلك، لأن هذا المستهلك هو الحلقة الأضعف في المعادلة السورية، فهو لا يجد المال الكافي كي يستهلك ما يسد رمقه، وأنا على ثقة أن أكثر من خمسة وتسعين بالمئة من السوريين لم يتذوقوا اللحوم الحمراء منذ سنوات، وحتى اللحوم البيضاء في ظل ارتفاع أسعار الدجاج والفراريج، أما الأسماك فحدث ولا حرج، حيث بلغ سعر الكيلو الواحد ما بين مئة وخمسين ألف ليرة سورية وصولاً لأكثر من المليون ليرة!.
نحتاج إلى وزارة للسعادة -ولو نظرياً- كي تشرح للمواطن الأساليب المناسبة كي يشعر بالسعادة وراحة البال، كأن نقتنع بواقع الحال وبأن الرواتب والأجور ممتازة وتكفي كي نعيش حياة كريمة تغمرها السعادة والفرح والحبور والبهجة وكل المترادفات المماثلة.
إلى جانب وزارة السعادة نحن نحتاج إلى وزارة لمكافحة الفساد، ووزارة لتعميم الأخلاق وحمايتها من السقوط والانهيار.
ربما نحتاج إلى حكومة حكماء وخبراء في علم النفس والاقتصاد والفيزياء والكيمياء والجغرافيا وهندسة المدن والطرق، وترميم النفوس والرواح، إضافة إلى وزارة للفنون والجنون، وأكون أو لا أكون، ورحم اللـه المغفور له وليم شكسبير، أو الشيخ زبير!
سأنفذ وصية الشاعر الراحل كريم العراقي وأتوقف عن الشكوى، وأدعو أشقائي المواطنين إلى عدم الشكوى، وكما بدأت ببيت شعر، أختتم ببيت شعر قاله الشاعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي، فهذا البيت يلخص الحكاية:
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي