قضايا وآراء

سيناريوهات العدوان الإسرائيلي على لبنان

| محمد نادر العمري

على خطا متسارعة، شهدت جبهة الإسناد لقطاع غزة في جنوب لبنان والتي يقودها حزب اللـه منذ 8 تشرين الأول 2023، تصاعداً في وتيرة العمليات العسكرية في شمال فلسطين المحتلة وما يقابلها من الأراضي اللبنانية، حتى بات القلق يسود لدى جميع القوى الفاعلة والمنخرطة في رقعة هذا الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر، من تدحرج الأمور من تحت السيطرة والضبط ما يؤدي لتوسع رقعة الصراع على مستوى المنطقة، في توقيت سياسي غير مفيد للجميع باستثناء زمرة المتطرفين داخل الكيان، رغم الاستعداد لمثل هذه المواجهة ولاسيما لدى محور المقاومة وهذا ما أبرزته مقدرات وإمكانات حزب اللـه خلال مراحل المواجهة هذه على مختلف الصعد الجوية والصاروخية والاستخباراتية، ولعل درون «الهدهد» بنماذجها الثلاثة خير دليل على ذلك، وهو ما دفع المبعوثين الغربيين وفي مقدمهم الفرنسيين والأميركيين لفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة خلال الفترة السابقة، في توظيف لما عرف بسياسة «العصا والجزرة» والترغيب والترهيب، وهو ما رفضه الحزب كباقي قوى محور المقاومة.

إلا أن ما شهده الجولان المحتل، وبصورة خاصة بعد سقوط صاروخ في ملعب بكرة القدم بمجدل الشمس، أودى لاستشهاد 12 سورياً معظمهم من أطفال الجولان المحتل وإصابة قرابة 40 آخرين عصر السبت الماضي، أعاد للواجهة مخاطر احتمال اندلاع مواجهة شاملة على مستوى المنطقة، ولاسيما بعد توجيه الاتهام الإسرائيلي الرسمي بشقيه السياسي والعسكري والإعلامي مباشرة لحزب الله، بمسؤولية هذه المجزرة بشكل سريع من دون التحقق من نوعية الصاروخ، وشحنت الأجواء الداخلية والإقليمية والدولية خدمة للتوجهات الإسرائيلية في تشويه صورة حزب اللـه وما راكمه من إنجازات عسكرية تصاعدية على مدى أكثر من عشرة أشهر في استنزاف للداخل الإسرائيلي.

هذه الحادثة التي هي أقرب للفاجعة، تدفعنا لطرح مروحة من الأسئلة لعل أبرزها مَنْ المستفيد في حصول هذه الحادثة؟ وأي تداعيات قد تنشب عنها؟

في الواقع كان هناك روايتان، الأولى: هي الرواية الإسرائيلية التي ادعت بأن الصاروخ أطلق من حزب الله، إلا أن هذه الرواية غير مكتملة الأركان، لعدة أسباب، أبرزها:

– حزب اللـه أظهر خلال فترة الأشهر السابقة القدرة والكفاءة من حيث الكادر البشري، في الرصد والاستهداف والرمي، وكذلك استخدام نوعية الأسلحة المتطورة بما في ذلك الصواريخ.

– إن حزب اللـه على مدى الأشهر السابقة اكتفى باستهداف النقاط العسكرية وتهجير جزء من مستوطني الشمال، ولم يقم باستهداف المدنيين رغم أنه لوح بالقيام بذلك من خلال إسقاط الخطوط الحمر في حال قيام الحكومة الإسرائيلية بعدوان واسع على لبنان.

– إن الحزب يدرك تماماً بأن مجدل شمس وقاطنيها وباقي قرى الجولان المحتل، هم سوريون، رفضوا الانصياع للضغوط الإسرائيلية التي سعت منذ عام 1981 لفرض الهوية الإسرائيلية عليهم، بل قاموا بأعمال بطولية على مدى عقود سابقة، وواجهوا المشاريع الصهيونية سواء المتمثلة في تهجيرهم أم سلب حقوقهم وممتلكاتهم أو سلخهم عن الوطن الأم سورية، فليس من المحتمل ولو بنسبة 1 بالمئة أن يقوم الحزب باستهداف هؤلاء السوريين.

– إن ادعاء قوات الاحتلال بأن الصاروخ الذي سقط في قرية مجدل شمس السورية، هو صاروخ إيراني «فلق1» برأس حربي يزن 53 كيلوغراماً، هو مجرد ادعاء لا يمكن الاستناد إليه، إن لم نقل إنه ادعاء كاذب وملفق، لكون إسرائيل بإمكانها استحضار هياكل مثل هذا الصاروخ من مناطق وقواعد استهدفها الحزب سابقاً ووضعها في مكان الحادثة وتقديمها على وسائل الإعلام وفق الرؤية الإسرائيلية، ولو أن هذا الاتهام حقيقي، لكان بإمكان الكيان الاستعانة بقوات الـ«يونيفيل» المنتشرة في تلك المنطقة، لفحص الصاروخ، وذكر نوعيته منذ حصول الواقعة.

أما الرواية الثانية، فهي التي قدمها حزب اللـه في بيان رسمي، وتضمنت نفياً للاتهامات الإسرائيلية، معتبرة أن الصاروخ الذي سقط وأدى لهذه المجزرة، هو صاروخ أطلق من منظومة القبة الحديدية، وهنا ليس دفاعاً عن حزب اللـه ولا انطلاقاً من إيماني بثقافته وأدبياته وتضحياته، ولكن يبدو أن هذه الرواية أقرب للواقع والدليل على ذلك:

– مسارعة الكيان لاتهام حزب اللـه بالوقوف خلف هذه الحادثة، وبدأ التلويح باستخدام القوة العسكرية ضد لبنان، في محاولة لاتخاذ هذه الحادثة ذريعة لقلب الطاولة على الحزب، وهو ما يمكن استيضاحه بشكل ملموس في كشف وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بعد أقل من نصف ساعة عن الحادثة، بمطالبته موظفي الخارجية بإبلاغ دول العالم بأن حزب اللـه يتحمل مسؤولية ما سيحدث بعد هجوم مجدل شمس.

– أقرب نقطة عسكرية إسرائيلية عن مجدل شمس تبعد نحو ثلاثة كيلومترات، ومن المستبعد جداً أن يكون الحزب أخطأ في تحديد الهدف، وإن كان قد أخطأ، فإن الحزب يمتلك من الجرأة والشجاعة للاعتراف بذلك.

– التوظيف الإعلامي والسياسي والاجتماعي لهذه الحادثة من الإسرائيليين، سواء كان ذلك في ادعاء بيان الجيش الإسرائيلي الذي اعتبر الضحايا هم من المدنيين الإسرائيليين، أم في عودة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من الولايات المتحدة قبل انتهاء مدة زيارته الرسمية، أو حتى في إضاءة ما يعرف بمبنى بلدية تل أبيب بعلم «الطائفة الدرزية» أو حتى بالضخ الإعلامي من خلال بعض البيانات والإشاعات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي والهادفة إلى زيادة الاحتقان الطائفي في سورية ولبنان وفلسطين.

– الدليل الرابع تقني ويعود لتقرير لجنة الخبراء العسكريين الإسرائيليين الذي قدم بعد معركة سيف القدس في أيار 2021، عندما أقروا أن نظام «تروفي» الذي تعتمد عليه القبة الحديدية، هو معرض لأخطأ، نتيجة ضعف الصيانة أو استخدام القبة لفترة طويلة من الزمن.

في الواقع، إلى جانب هاتين الروايتين يمكن طرح رؤيتين أخريين، الأولى هي أن الحزب فعلاً قد قام بإطلاق صواريخه باتجاه القواعد العسكرية الإسرائيلية وتم التصدي لأحد هذه الصواريخ فوق مجدل شمس، إلا أن هذا التصور ضعيف، على اعتبار أن التصدي لصاروخ بصاروخ، هذا يعني سقوط شظايا على الأرض ولا يمكن أن توقع هذا العدد الكبير من الضحايا، أما الرواية الثانية وهي محتملة لتكون ذريعة إسرائيلية لشن عدوان على لبنان، بدعم غربي، تكمن في افتعال هذه الحادثة من الجيش الإسرائيلي واتهام حزب اللـه بالوقف ورائها، ومما يعزز هذا التصور، هو إخفاق نتنياهو في الحصول على دعم أميركي لشن عدوان على لبنان خلال زيارته الأخيرة لواشنطن وإلقائه كلمة داخل الكونغرس وما شهدته من «تبجح» في التصفيق لجرائم الكيان.

لوهلة بسيطة جداً وبعد سماع الكم الهائل من التصريحات الإسرائيلية التي تضمنت أشكالاً مختلفة من تقديم الوعيد والتهديد للبنان الدولة والحزب في الجنوب، نتيجة اتهام حزب اللـه بالمسؤولية عما حصل في قرية مجدل شمس، فإن ذلك يدفعنا لوضع معالم السيناريوهات المحتملة للسلوك الإسرائيلي المرتقب، هل سيشن الكيان عدواناً أم لا؟ وكيف سيكون شكل العدوان وطبيعته؟ وما تداعياته المحتملة؟

من المؤكد بأن هناك عملاً عسكرياً إسرائيلياً، ولاسيما أن الكيان ونتيجة ما مارسه من حشد وضخ إعلامي وكم هائل من التهديدات، لا يمكن له أن يتراجع عن شن عمليته العسكرية، لأن ذلك سيعني تآكل صورته وهيبته أكثر على مستوى الداخل والإقليم، وهو ما سيضعنا أمام عدة سيناريوهات:

– السيناريو الأول: حصول حرب واسعة قد تتعدى النطاق الجغرافي لفلسطين المحتلة والأراضي اللبنانية، وهذا السيناريو قد يترجم ميدانياً في حال نجاح اليمين المتطرف ونتنياهو من فرض رؤيتهم على الداخل الإسرائيلي بما في ذلك المؤسسة العسكرية، بتبني حرب واسعة، أو أن تتدحرج الأمور في حال أقدمت قوات الاحتلال على استهداف بنى تحتية ومناطق مدنية تدفع بالحزب للرد، وبذلك تتدحرج الأمور بين الرد والرد المضاد، إلا أن هذا السيناريو مؤشراته ليست كبيرة، لأن المسار الأول تضمن تفويض الكنيست لكل من نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت باتخاذ خيارات العدوان على إثر اجتماع الحكومة المصغر «الكبينت» لمدة ثلاث ساعات مساء الأحد لتدارس خيارات الرد، وبذلك يكون كل من وزير المالية سموتريتش والأمن بن غفير، قد استبعدا عن عملية صنع القرار، ولكن المسار الثاني هو مرجح ولايمكن تجاله، رغم أن الجيش الإسرائيلي غير جاهز في ظل ما يعانيه من نقص في العتاد البشري واللوجستي، إلا أن رسالة حزب اللـه لقوات اليونيفيل بأن الحزب سيقوم بالرد على أي عملية إسرائيلية هو ما يعزز هذا السيناريو، وخاصة إن ارتكبت إسرائيل حماقة في استهداف العاصمة بيروت، أو المرافق والبنى الخدمية الحيوية، أو أدى العدوان لوقوع ضحايا مدنيين.

– السيناريو الثاني هو القيام بعمليات عسكرية إسرائيلية محدودة في سورية ولبنان، بهدف تحقيق إنجاز معنوي إعلامي، في محاولة إسرائيلية أولاً للتنصل من مسؤوليتها المؤكدة نتيجة وقوع صاروخ من القبة الحديديـة، وإيجـاد مـسوغ للقيـام بعمـل عســكري محدود في لبنان بدعم غربي ثانياً، وثالثاً للفت الانتباه عما يحصل في الداخل الإسرائيلي سواء كان من المستوطنين أم السياسيين الذين يتهمون نتنياهو بعرقلة الوصول لاتفاق تبادل الأسرى.

بطبيعة الحال أمام نتنياهو مجموعة من الظروف والعوامل التي قد تدفعه للقيام بمغامرة على مستوى المنطقة، وخاصة في ظل انشغال الداخل الأميركي بالانتخابات الرئاسية والتطورات الحاصلة بعد انسحاب الرئيس الديمقراطي جو بايدن من المشهد الانتخابي، ودخول الكنيست الإسرائيلي ابتداء من الأحد 28 تموز، عطلة طويلة الأمد تبلغ ثلاثة أشهر ما يجعل بقاء حكومة نتنياهو مضموناً حتى نهاية العام الجاري.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن