لماذا مجدل شمس؟
| علي عدنان إبراهيم
لا بد أن سلطات الكيان الإسرائيلي ستحاول بكل إمكانياتها إعادة بناء ما تسميه «حالة الردع» في شمال فلسطين المحتلة التي مزقتها صواريخ المقاومة اللبنانية منذ مطلع الثامن من تشرين الأول الماضي وحتى اليوم، وجعلت من خط المستوطنات الشمالية لمسافة 5 كيلومترات عن الحدود منطقة يُصطلح عليها عسكرياً اسم «منطقة عمليات» لا وجود فيها سوى للعسكريين وآلياتهم، أما المستوطنون فيفقدون يوماً بعد يوم ثقتهم في جيشهم وقدرته على ردع المقاومة أو حتى التصدي لها في حال قررت الزحف جنوباً وتحرير الجليل الأعلى.
غير أن الهجوم على لبنان وضرب حزب اللـه بقوة يستلزم خطة شيطانية تعتمد على بعثرة الأوراق في المنطقة وقلب التحالفات وخلق فتنة ربما يكون لها أثر كبير في سياق الحدث، لتأتي الضربة المأساوية في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل التي استشهد وجرح إثرها نحو 40 سورياً من أهالي البلدة المحتلة، فينبري إعلام العدو ومسؤولوه للقول إن «صاروخاً من طراز «فلق1» إيراني الصنع أطلقه حزب اللـه فأصاب ملعب كرة قدم للأطفال»، واصفاً إياهم بالإسرائيليين، ومتوعداً بالرد القاسي على ما سماه «الهجوم المميت».
هنا يجب الحديث عن عدة نقاط حساسة أولاها أن حزب اللـه يملك تقنيات تضاهي الجيوش الاحترافية لأقوى الدول عسكرياً وهو ما ظهر جلياً خلال الحرب المستمرة منذ 9 أشهر حيث لا مجال للخطأ، فكيف يرتكب الحزب خطأً كهذا في إحدى بلدات الجولان السوري المحتل التي يشكل أهلها خطاً مقاوماً رافضاً لكل ممارسات الاحتلال شأنهم في ذلك شأن بلدات جنوب لبنان إبان الاحتلال الإسرائيلي لها الذي انتهى مع دخول عام 2000، عام التحرير، إضافة إلى أن الحزب صدم العدو خلال الشهر الأخير فقط بثلاثة مقاطع مصورة لكل متر في حيفا والجولان المحتلين ومستوطنات الشمال مع إحداثياتهم الدقيقة ونقاط ضعف جيش الاحتلال وحكومته فيها، فكيف لمن يملك أدق الإحداثيات أن يكون من المعقول أن يقع في خطأ كهذا؟ وهنا يمكن القول بشكل مؤكد وحتمي: إن حزب اللـه بريء من هذه التهمة القذرة براءة الذئب من دم يوسف، وثاني هذه النقاط أن الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه أكد غير مرة أن توقف النار من لبنان مرتبط بوقف النار على غزة، فقواعد الاشتباك هنا واضحة صريحة ولا حجة لرئيس حكومة كيان العدو بنيامين نتنياهو ومجلس حربه، في ارتكاب أي حماقة، وافتعال حرب على لبنان سيكون الحق من بعدها للمقاومة بالرد عليها من باب الواجب الوطني للدفاع عن لبنان وأهله يداً بيد مع الجيش اللبناني، فكيف لنتنياهو الذي يُعد نفسه للعودة من الولايات المتحدة تحت ضغط كبير للقبول بصفقة تبادل تنهي حمام الدم أن يأمن على نفسه في اليوم التالي للحرب، وهو المذنب الأول في كل ما جرى ولا بد من خضوعه ومجلس حربه ووزرائه المتطرفين للمحاسبة وربما للسجن، فيكون فتح جبهة واسعة في لبنان حلاً للخروج من هذا المأزق، لكن مع تماسك الجبهة اللبنانية وصعوبة اختراقها لا مجال سوى لخلق حدث غير متوقع يخلط الأوراق، فكانت ضربة مجدل شمس التي يهدف من خلالها العدو لخلق صدع في الداخل اللبناني يكشف ظهر المقاومة ويدخلها في أتون مناوشات داخلية تسهل على العدو مهمة الانقضاض عليها، وهو ما أكدته وزارة الخارجية السورية في بيانها الصادر الإثنين حول الجريمة المدبرة بالقول: «في إطار محاولاته لتصعيد الأوضاع في منطقتنا، وتوسيع دائرة عدوانه عليها، اقترف كيان الاحتلال الإسرائيلي جريمة بشعة في مدينة مجدل شمس ثم قام بتحميل وزر جريمته للمقاومة الوطنية اللبنانية»، وأكدت الخارجية في بيانها أن هذه المحاولة مفضوحة لاختلاق الذرائع وتوسيع العدوان، أما بالنسبة لأهالي مجدل شمس المحتلة فالأمر واضح وبيّن، وما طردهم وزير مالية الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش من البلدة أثناء تشييع الشهداء وإصرار الأهالي على وصفه وحكومته بالقتلة والمجرمين سوى برهان على عمق الوعي لخطورة اللعبة وقذارة الفتنة.
أما لماذا كانت مجدل شمس وليس غيرها؟ فإلى جانب الأسباب السابقة فإن لمجــدل شمس تاريخ من المقاومة ضـد الاحتلال وتاريــخ مــن إذلاله ورفضـه وتمريـغ أنفــه في الوحــل رغم ضعف الإمكانـات، فهل يمكن لنتنيـاهو وكيانـه أن ينسـيا انتفاضة الهوية في مجـدل شــمس في 14 شــباط عام 1982 التي اندلعت جراء محاولة كيان الاحتلال فرض الجنسية الإسرائيلية على أهالي الجولان السوري المحتل، فقاومها الأهالي بالحجارة والعصي وأفشلوها بعد أن عانوا حصاراً دام نصف عام، وأصدر أهالي المجدل وبقية القرى المحتلة وثيقة سُميت بالوثيقة الوطنية للمواطنين السّوريين في مرتفعات الجولان السوريّة المحتلّة التي أعلنوا من خلالها للعالم كله تمسكهم بالجنسية السورية ورفضهم للاحتلال وكذلك عدم اعترافهم بمجالسه المحلية.