الهاغاناه وأرغون ومعتقل «سديه تيمان»
| منذر عيد
سلسلة من المشاهد شكلت في مجملها صورة كبيرة برزت فيها خطوات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتهالكة على طريق الهزيمة على جبهة المواجهة مع المقاومة، أو على الجبهة الداخلية ومعركة البقاء في السلطة، فكانت مجدل شمس أبرز تلك المشاهد، عبر الفعل البطولي لأهاليها برفضهم قيام مجرمي الكيان الصهيوني بزيارة البلدة من وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش إلى نتنياهو، وكسر الأهالي الرهان الصهيوني على بث التفرقة والفتنة، ودق إسفين بين أهالي الجولان والمقاومة، وصولاً إلى ما حدث بالأمس في معتقل «سديه تيمان» الإسرائيلي سيئ الصيت، والذي شكل مشهدية كبرى في تلك الصورة، سواء لجهة الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الجنود الإسرائيليون بحق الأسرى في المعتقل، أو لجهة التداعيات وردود فعل اليمين المتطرف الصهيوني ودلالاته، أو لجهة الهدف من وراء تسليط الكيان الضوء عليه عبر الإعلام المحلي والدولي.
نتنياهو الذي عاد بكم هائل من الذخائر التي تمكنه من مواصلة جرائمه بحق شعوب المنطقة سواء في فلسطين أو لبنان أو سورية أو العراق، ما زال منتشياً بالتصفيق الحار الذي سمعه في الكونغرس الأميركي، الأمر الذي دفعه على ما يبدو مأخوذاً بـ«الحمية» تلك، إلى متابعة دور «البطل» المنتصر، وهو المثقل بشتى أنواع الهزائم، فكان قرار زيارة مجدل شمس لاتخاذها منبراً للتصعيد ضد لبنان وحزب الله، ممنياً النفس بإمكانية استغلال حزن أبناء الجولان على شهدائهم للحصول على دعم أو موقف يدين المقاومة، لكن المفاجأة كانت كبيرة بكبر انتماء أهالي الجولان لعروبتهم ووطنهم الأم سورية، حيث قابلوه بمحاولات المنع من دخول البلدة، وبصيحات الغضب التي طالبته بالمغادرة، ونعتته بالمجرم.
وبالكاد خرج نتنياهو من صورة الإذلال في مجدل شمس، لتظهر صورة أخرى، صورة ظهور قضية تعذيب الأسرى الفلسطينيين في معتقل «سديه تيمان»، ومسألة تحويل الضباط الإسرائيليين المتورطين في تلك الجرائم إلى التحقيق، وما نتج عن ذلك من تداعيات تمثلت بهجوم متطرفين من اليمين الصهيوني على المعتقل، ليظهر مع ذلك عمق الخلاف بين الجيش الإسرائيلي والشرطة والمجتمع الصهيوني برمته.
محاولة الكيان الإسرائيلي الظهور بمظهر «الدول» الديمقراطية عبر إعلانه التحقيق مع تسعة جنود بسبب إساءة معاملة معتقل من غزة في معتقل سديه تيمان، والهروب من المسؤولية الرسمية عن سلوك التعذيب الهمجي في السجون، وتجنب أي مساءلات قانونية في محكمة العدل الدولية، وخصوصاً بعد ورود أدلة كثيرة من منظمات إسرائيلية، وروايات محررين حول ما يحدث في معتقل سديه تيمان وغيره من المعتقلات، شكل مسرحية هزيلة، غايتها إرسال صورة زائفة إلى الرأي العام الدولي بمدى «الديمقراطية» التي تحكم الكيان، كما قال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، إلا أن تلك المسرحية انعكست وبالاً عليه، من خلال تعالي الأصوات بضرورة فتح تحقيق دولي حول الجرائم التي ترتكب في المعتقلات الإسرائيلية، الأمر الذي تخشاه القيادات الإسرائيلية بمختلف أنواعها العسكرية والأمنية والسياسية.
محاولة قادة الكيان الهروب من مسؤولية الجرائم في سجونه، وتحويلها من سياسة ممنهجة وعامة إلى ممارسة فردية محصورة هنا وهناك، لم تؤت أكلها، بل إن تداعياتها وتأثيرها كانا كبيرين على المستويين الداخلي والأمني، حيث وصفها الجيش الإسرائيلي بأنها ضربة لأمن الكيان، عبر تأكيد وزير الحرب يوآف غالانت أن «اقتحام المدنيين قواعد الجيش حدث خطر يضر بالديمقراطية الإسرائيلية، ويصب في مصلحة عدونا أثناء الحرب»، كما تسبب الحدث بإلغاء مشاورات مهمة بشأن الشمال، إضافة إلى أن اقتحام معتقل سديه تيمان عمّق من الخلاف الداخلي في المستوى السياسي للكيان، إذ قال رئيس حزب العمل الإسرائيلي يائير غولان: «حكومة بن غفير تدعم التمرد والفوضى داخل الجيش بأمر من وزير منتهك للقانون، واختفاء الشرطة بشكل متعمد وتجاهلها الهجوم على معسكر ومحكمة «بيت ليد» ليس مصادفة».
لقد أكد مشهد اقتحام متطرفين معتقل سديه تيمان ثم عند مدخل قاعدة بيت ليد العسكرية، وحالة الانشقاق بين الجيش والشرطة، حقيقة عدم إمكانية الكيان الصهيوني من الانفلات من أسه غير الشرعي، والمبني وفق عصابات إجرامية، لتعود دماء عصابات «هاغاناه وأرغون وبيتار وشتيرن وبلماح» لتسري من جديد في عروق العصابات الجديدة التي ترتدي زي الشرطة والجيش، ليوصف زعيم المعارضة يائير لابيد حقيقة الأمر، ولكن بشكل آخر «خجلاً من قول الحقيقة» ويقول: «مجموعة فاشية خطرة تهدد وجود دولة إسرائيل»، ليعكس ذلك حالة الفوضى التي تعصف بالكيان، واقترابه من العودة إلى بداياته «الميليشاوية»، وهو ما أكده المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عاموس هارئيل بقوله: «إن ما نشهده في سدي تيمان هو محاولة لقيادة تمرد ميلشياوي».