الولايات المتحدة تشن حرب عقوبات على 35 بالمئة من دول العالم!
| تحسين حلبي
إذا كانت أشكال العدوان والحروب التي تشنها الولايات المتحدة تقوم على الاحتلال العسكري أو التدخل العسكري في مختلف أرجاء ودول العالم وكذلك على فرض كل أشكال الحصار والعقوبات الاقتصادية والمالية، فإنها لم تتوقف حتى هذه اللحظة عن شن حرب الحصار والعقوبات عن ثلث دول العالم.
أوضحت مجلة «كراديل» الإلكترونية الأميركية في 26 تموز الماضي في دراسة إحصائية أن الإدارات الأميركية الأربع الأخيرة منذ عهد الرئيس جورج دبليو بوش، زادت حروبها الاقتصادية بنسبة خمسين بالمئة خلال عقدين فقط، وتبين أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين فرضت وحدها أكثر من ستة آلاف عقوبة من هذا النوع خلال سنتين فقط على عدد متزايد من الدول، ويبين بيل راينش أحد المسؤولين الأميركيين سابقاً في وزارة التجارة في حديثه مع المجلة أن «العقوبات هي عتبة بين ممارسة الضغوط وشن الحرب وهذا ما تعده وزارة الخارجية أهم الأسلحة الأميركية برغم أن أحداً لا يؤكد بأن هذه الإستراتيجية عملية»، فالولايات المتحدة بدأت تستخدم الدولار سلاحاً في هذه الحرب بشكل متزايد بعد تفجيرات 11 أيلول 2001 في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وهذه العقوبات تلحق الأضرار الفادحة لأنها تستهدف دولا كثيرة وتمنع عنها الحصول على الأدوية واللقاحات والمعدات التكنولوجية للبنى التحتية وتنقية المياه وقطع التبديل الخاصة بالإلكترونيات، وتولد، على غرار الحصار ضد سورية وفرض كل أشكال العقوبات عليها، أضراراً كثيرة وخاصة لأن واشنطن تهدد بفرض عقوبات على كل من يساعدها في الحصول على هذه المستلزمات. ويرى بن روديس الذي عمل نائباً لمستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس باراك أوباما أن «هذه العقلية تولد انعكاساً غريباً لأن واشنطن سرعان ما تتحرك بعقوبات ضد أي دولة من دون أي اعتبار للأضرار الجانبية التي تسببها هذه العقوبات للسكان وليس للحكومات وجيوشها».
وبهذه الطريقة تهدف الإدارات الأميركية إلى معاقبة الشعوب بشكل متعمد لكي تحرضها على خلق الأزمات لحكوماتها وتدفع شعوبها إلى زعزعة استقرارها، وهذا ما فعلته ضد كوريا الشمالية منذ عام 1950 وضد كوبا منذ عام 1962 وتمكنت الدولتان من التغلب على كل مضاعفات العقوبات والحصار برغم أن واشنطن شنت هذه الحرب الاقتصادية عليهما لأكثر من نصف قرن، وها هي إيران التي فرضت عليها واشنطن العقوبات والحصار والمؤامرات الداخلية تتجاوز كل أشكال الحرب الأميركية وتتحول إلى دولة إقليمية كبرى في المنطقة تنتج النفط والغاز والأسلحة المتطورة، ولا أحد يشك أن فرض العقوبات على أكثر من ستين دولة في العالم سيولد تكاتفاً وتضامناً بين هذه الدول وخاصة على المستوى الدولي حين تتلقى دعماً دولياً من القوتين الكبريين الصين وروسيا، إضافة إلى المنظمات الإقليمية التي يؤسسها عدد من الدول للتخلص من أضرار هذه العقوبات الإمبريالية الأميركية، لذلك توضح الدراسة التي نشرتها مجلة «كراديل» أن «اعتماد الولايات المتحدة على هذا الشكل من الحروب قد أدى إلى تكاتف دول كثيرة مع مجموعة دول بريكس ومجموعة دول منظمة شانغهاي للتعاون الاقتصادي والانضمام إلى هاتين المنظمتين».
ومع التآكل المستمر للنفوذ والهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط والتزايد المقابل لتعاون عدد من دوله مع موسكو وبكين ستنعدم تدريجياً الأضرار التي تسببها الحروب الاقتصادية والمالية وأشكال الحصار التي تلجأ إليها لفرض هيمنتها على الشعوب، وها هي سورية التي فرضت عليها واشنطن وعدد من حلفائها عقوبات هائلة، تحقق صموداً وقدرة متنامية على إزالة كل أضرار هذه العقوبات التي بدأت بعض الدول الأوروبية ترى أنها لم تحقق الأهداف المطلوبة منها، وأن تجاهل سورية ودول أخرى مثل إيران، بدأ يولد خسائر سياسية واقتصادية لبعض الدول الأوروبية والعربية المجاورة وأن الوقت قد حان لتجاوز عدد من هذه العقوبات وإقامة علاقات تعاون مع القيادة السورية والإيرانية تستفيد منها جميع الأطراف وهو ما سوف نلمسه خلال الأشهر المقبلة وقبل نهاية عام 2024، وقد آن الأوان لجميع الدول وهي أكثر من ستين دولة عاقبتها واشنطن، أن تتحد أيضاً لتفكيك آلة الحرب الاقتصادية الأميركية هذه ومنع استخدامها.