ثقافة وفن

حسن سامي يوسف وداعاً

| إسماعيل مروة

حسن سامي يوسف لم يكن كاتباً تقليدياً، ولم يكن كاتباً درامياً يسعى للعيش من مهنته وحسب، ولم يكن شخصاً مقاتلاً في منافسته للآخرين، وإن كان مقاتلاً من أجل رأيه، حسن من القلائل الذين يسعى الناس إلى أعمالهم مطبوعة أو فنية، رحل الصديق والأخ حسن وغصه عمله الروائي الذي أصدره (على رصيف العمر) في روحه بعد أن تم تحويلها إلى عمل درامي تلفزيوني منذ موسمين، ولكن المشروع توقف فجأة، وتداولت وسائل التواصل ما دوّنه الأستاذ عن رأيه في الصناعة الدرامية، وما مطلوب من كاتب الدراما! ليعلن رفضه المطلق أن يكتب بالإشارة في الموضوع والأهمية.

لم يكتب حسن سامي عملاً لم يُكتب له النجاح، أعماله كلها وبلا استثناء كانت ناجحة فكرياً وجماهيرياً وإنتاجياً، فحسن دارس محترف لفن السيناريو وليس هاوياً أو متدرباً، ولم يأت لعالم الكتابة من دورات حقيقية أو خلبية اتبعها، بل إنه من المتخصصين القلائل الذين درسوا فنهم دراسة أكاديمية، وزاد حسن على دراسته بهوايته ومعرفته وتمكنه، فهو درامي مهم للغاية، أعماله الروائية كما أعماله الدرامية تجد رواجاً وقبولاً.. في كل أعماله التي أنجزها كتابة ودراما دخل في جوهر مشكلات مجتمعية، وتناول أموراً بمنتهى الخطورة والحساسية، لكنه نجح في تقديمها، لأنه يقدّم مرضاً ويشخصه، ولم يكن يتابع ظاهرة سلبية ليعممها.

منذ أفلامه الأولى إلى دخوله عالم الدراما التلفزيونية كان حسن سامي يوسف أستاذاً ومبدعاً، وهو من القليلين الذين جمعوا بين الأكاديمية المهنية والموهبة، فقد نجد كتاب سيناريو مهمين، لكنهم يحوّلون أعمالاً أخرى، وهنا تتوقف مهمتهم، وقد نجد مبدعين خلّاقين، لكنهم غير قادرين على تحويل هذا الإبداع، لأنهم لم يتقنوا فن السيناريو ولم يدرسوه.

كان حسن سامي يوسف يميز بين الأمرين وكلاهما ملكه، فهو عندما يكتب عملاً روائياً أو قصصياً يخضعه لمقاييسه الإبداعية، وقد يصدره قبل أن يكون عملاً درامياً، وقد يحوّل فكرته إلى دراما، وفي كل وقته كان حسن يقسّم وقته بمزاجه ودقته، فالليل عنده للإنجاز والعمل، في هدوء الليل ووحدته كان يجلس ليعمل.. لذلك كان لا يرتبط بأي عمل يكون قبل الثانية ظهراً، وفي إحدى اللجان التي كان عضواً فيها، ذكر أن أحدهم زعل منه لأنه لم يرد عليه، ولم يلتق به في موعد محدد، وهذا الوقت بالنسبة لحسن هو وقت انتهائه من العمل المضني وركونه للنوم والهدوء.

كان طيباً ومسالماً حسن سامي يوسف، لكنه عند الخصومة يكون حاداً في رأيه وحكمه، يشبه في ذلك كل أعماله التي أنجزها بمفرده أو بالشراكة مع أصدقاء اختارهم.

تسعة وسبعون عاماً أمضاها حسن سامي يوسف في الفن والدراما والكتابة، لم يسعَ إلى تغيير مهنته، ولم يكن تاجراً، وكان بإمكانه أن يفعل، وأزعم أن مهارته المهنية في الكتابة والكتابة الدرامية لا يسبقه فيها أحد، لأنه في كل الأمر يقوم على الدراسة الأكاديمية والعشق والوضوح.

حسن سامي يوسف، وداعاً أيها المبدع الجميل المتفوق في إبداعك وأخلاقك وانتمائك، وداعاً أيها الرجل الهادئ والنبيل المبدع، وداعاً وقد تركت خطاً خاصاً بالسيناريو وصناعته، ولك الدور في صنع عدد من كتاب الدراما من دون أن تعرض ذلك للملأ، ومن دون أن تفاخر، وقد اعترف بعض هؤلاء بأستذتك لهم.. تسعة وسبعون عاماً من حب وعطاء وإبداع، وستبقى أعمالك حية في الوجدان، وهي من ذاكرة الدراما السورية والعربية.. دع نظارتك واسكن بأمان أيها المبدع الرائع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن