فوضى التسويق الإلكتروني.. حسابات تواصل اجتماعي تعرض منتجات تنطوي على غش واحتيال … التموين لـ«الوطن»: 42 شركة و26 فرداً طلبوا ترخيصاً للتسويق الإلكتروني بموجب قانون حماية المستهلك الإلكتروني
| محمد راكان مصطفى
يبدو أن فوضى الرقابة لم تقتصر على أن تكون عرفاً في أسواقنا المحلية، لتنتقل عدواها إلى الواقع الافتراضي الذي كان يفترض أن يرافق ولادته وسط الاهتمام المتنامي من الحكومة بالتوجه نحو الدفع الإلكتروني والتشجيع للتحول نحو الحلول الإلكترونية وإقامة بنية رقابية ترقى لماهيته وأن تخضع برمجيات التجارة الإلكترونية التي تزايد عددها مؤخراً في كل المجالات (نقل، مطاعم، صيانة،…) ببرمجيات رقابية تنتجها حماية المستهلك تضمن الحفاظ على مصداقية هذا النمط من الأعمال من حيث الجودة والأسعار.
لا شك أن فتح باب التسوق الإلكتروني بات ضرورة ملحة لمجاراة تطورات بيئة الأعمال إقليمياً وعالمياً، لكن عدم ضبط هذا القطاع والعجز عن فرض الرقابة عليه رغم أنه مازال في المهد وعلى نطاق محلي ضيق سيؤدي إلى مخاطر كبيرة من الصعب التعامل معها مستقبلاً مع انفتاح بيئة التجارة المحلية على سوق التجارة الإلكتروني العالمي، وسيتسبب في ضعف المنافسة وخسارة السوق أمام قوة وخبرة الشركات العاملة في هذا المجال.
عدم الثقة بالتسوق الإلكتروني محلياً له أسباب واضحة ومبررة تعود لوجود الكثير من حالات «التدليس» و«الغش» خلال عمليات البيع والشراء الإلكتروني، فكثير من حالات الشراء تنتهي بأن يقع المشتري ضحية غش إعلان تجاري عبر صفحات التواصل الاجتماعي يروج لبيع منتجات لا تخضع لمقاييس الرقابة، وسط غياب تام للرقابة ليبقى ذوو النفوس الضعيفة من دون رقيب أو حسيب.
حماية إلكترونية
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك كشفت لـ«الوطن» أنه بلغ عدد الشركات التي طالبت بالترخيص للتسويق الإلكتروني والحصول على سجل تجاري خاص بها 42 شركة و26 فرداً وذلك بعد صدور التعليمات الناظمة لقانون حماية المستهلك الإلكترونية.
وقالت الوزارة: يتم العمل بموجب القانون رقم 3 لعام 2014 الخاص بالمعاملات الإلكترونية الذي يتضمن باباً خاصاً بحماية المستهلك «الإلكتروني»، حيث تم إصدار القرار رقم 479 لعام 2019 المتضمن اللائحة التنظيمية للضوابط والنواظم الخاصة بحماية المستهلك الإلكترونية والتسويق الإلكتروني.
وأشارت الوزارة إلى أن القرار تضمن العديد من التعاريف الخاصة بالمعاملات الإلكترونية وكيفية التعبير عن الإرادة والإيجاب والقبول الإلكتروني، إضافة إلى حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني في مراحل العمل ضمن التسويق الإلكتروني اعتباراً من مرحلة ما قبل التعاقد الإلكتروني وصولاً إلى مرحلة التعاقد، كما تضمن القرار نواظم محددة مرتبطة بمدة العرض والإعلان عن المنتج.
ولفتت الوزارة إلى أن القرار حدد طرق متابعة الشكاوى الواردة بخصوص التسويق الإلكتروني والإجراءات الواجب اتخاذها في حال المخالفة، مع ضمان حصول المستهلك السلعة ضمن المواصفات القياسية السورية والمواصفات التي تم التعاقد عليها ومنع حصول أي حادثة غش أو تدليس في عمليات البيع والشراء، وتضمن قانون المعاملات الإلكترونية الشروط الخاصة بالترخيص للتسويق الإلكتروني والحصول على سجل تجاري خاص بالتسويق الإلكتروني.
تهرب ضريبي
مصدر في وزارة المالية أكد لـ«الوطن» أن جميع برامج التسويق الإلكتروني بكل أنواعها ومجالات عملها تخضع للضرائب، ويتم تكليفها نظامياً وفق منظومة الربط الإلكتروني مع الإدارة الضريبية، في حين أن عمليات البيع والتسويق الإلكتروني التي تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي يشوبها الكثير من الفوضى، إذ لا توجد آلية واضحة لضبطها، لكونه لا يوجد مطرح ضريبي واضح، فعمليات البيع تتم عبر اتصال هاتفي، ما يعني وجود تهرب ضريبي كامل لهذه العمليات، معتبراً أن هذا الأمر بحاجة إلى وضع آليات ناظمة لمتابعته.
نظرة قانونية
أستاذة الأوجه القانونية للتجارة الإلكترونية في كلية الحقوق بجامعة دمشق الدكتورة حنان مليكه قالت: إن التجارة الإلكترونية تتم بالتَّعاقد عبر تقنيات الاتصال الحديثة عن بعد من دون حضور مادي للمتعاقدين، ويُطلق على هذا النوع من العقود اسم العقد الإلكتروني، الذي يُعد من أهم الموضوعات القانونية في الوقت الراهن، نظراً لما يثيره التعاقد عن بعد عبر تقنيات الاتصال الحديثة من مسائل قانونية عديدة، وخاصة ما يتعلق بمفهوم العقد الإلكتروني وانعقاده.
ونوهت بتأكيد المشرِّع السوري في المادة (17) من الفصل السابع من قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية رقم 3 لعام 2014 على حماية المستهلك، وذلك بمراعاة أن يقدم البائع معلومات واضحة تمكّن المستهلك من اتخاذ قراره في الشراء، منها التعريف بالبائع وعنوانه ورقم مكان تسجيله وبريده الإلكتروني، ووصف مفصل لمراحل إنجاز المعاملة الإلكترونية، ونوع السلعة أو الخدمة وطبيعتها وخواصها ومواصفاتها وسعرها.
مضيفة: وعليه يجب على البائع عبر موقعٍ إلكترونيٍّ قائم على شبكة الإنترنت أن يتيح للمستهلك المعلومات السابقة بوصفها ضرورية له، لكي يتمكن بناءً عليها من اتخاذ قراره بالشراء، ويشترط في أي رسالة إلكترونية موجهة إلى المستهلك أن تتضمن هوية المرسل أو من يمثله بطريقة معتمدة، وأنه يجب توفير هذه المعلومات إلكترونياً للمستهلك للاطلاع عليها في كل مراحل المعاملة الإلكترونية.
وأضافت: ورغبةً من المشرِّع في حماية المستهلك الذي يشتري عبر الإنترنت، فقد منحه الحق في العدول عن الشراء، حيث نصت المادة (18) من قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية على: «على البائع قبل إقرار عملية البيع تمكين المستهلك من مراجعة أخطاء إدخال المعلومات، والمراجعة النهائية لجميع خياراته، وتمكينه من إقرار التعاقد أو تغييره أو العدول عنه حسب إرادته، وذلك بطريقة إلكترونية مناسبة».
فيكون للمستهلك حق العدول عن الشراء وإبلاغ البائع بذلك، وإعادة البضاعة خلال مدة عشرة أيام، تبدأ فيما يخص البضائع من تاريخ استلامها من المستهلك، وما يخص الخدمات تبدأ المدة من تاريخ الاستفادة من الخدمة (المادة 20/أ).
ونوهت بتحمل البائع مصاريف إعادة السلع إذا كانت المعلومات المتعلقة بالبضائع أو الخدمات غير واضحة أو غير صحيحة، أما إذا قام البائع بجميع التزاماته ببيان المعلومات المطلوبة وفقاً لما سبق، فتكون الإعادة على نفقة المشتري ما لم يتفق على غير ذلك (المادة20/ب، ج)، ويترتب على البائع عندما يستلم البضاعة إعادة المبلغ المدفوع إلى المستهلك خلال سبعة أيام ما لم يتفق على غير ذلك (المادة 21)، ولفتت إلى وجود حالات لا يحق للمستهلك فيها العدول عن الشراء.
وقالت: كما أن قانون التوقيع الرقمي وخدمات تقانة المعلومات رقم 7 لعام 2023 أكد عدم السماح لأي شخص اعتباري أو طبيعي تقديم أي خدمة إلكترونية عبر أي تطبيق إلكتروني من دون ترخيص من الهيئة الوطنية لخدمات تقانة المعلومات، وعرف القانون نفسه التطبيق الإلكتروني بأنه منصة برمجية تتيح تقديم خدمة إلكترونية، بالتالي يمكن حسبان وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس مثلاً، منصة تفاعلية تقدم خدمة إلكترونية وبالتالي هي تطبيق إلكتروني يحتاج إلى ترخيص من الهيئة.
ولفتت إلى وجود العديد من حسابات «الفيس بوك» على سبيل المثال، تعرض منتجات وخدمات قد تنطوي على غش وخداع واحتيال، موضحة أنه في هذه الحالة يمكن ملاحقة الجاني بجرم الاحتيال، مثلاً المنصوص عليه في قانون العقوبات مع التشديد لأنه ارتكب بوسائل إلكترونية، مضيفة: وقس على ذلك جميع المخالفات التي تنال من حرية اختيار المستهلك واتخاذ القرار المناسب كالإعلان المضلل، حيث يمكن للمستهلك في مثل هذه الحالات إقامة الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض، إضافة إلى إمكانية إقامة الدعوى الجزائية بالنسبة للأفعال التي تشكل جرماً في قانون العقوبات.
وأوضحت أنه يمكن ملاحقة صاحب الحساب على وسائل التواصل الاجتماعي أو صاحب الموقع الإلكتروني المتخذ كمتجر إلكتروني، وتضاعف العقوبة لكون الجرائم ارتكبت بوسائل إلكترونية، مؤكدة وجود جرائم من هذا النوع منظورة أمام القضاء السوري.