هل أضحى الانفجار حتمياً؟
| عبد المنعم علي عيسى
شهد الثلث الأخير من شهر تموز المنصرم، الذي تزامن مع عبور الحرب في غزة لحاجز الـ300 يوم من دون حسم ولا اتفاق، سلسلة أحداث لا شك أنها ستلعب دوراً كبيراً في توجيه دفة الصراع الذي اتخذ طابعاً انحرافياً منذ استهداف إسرائيل لمدينة الحديدة في اليمن، والطابع إياه سوف يتخذ أشكالاً أشد انحرافاً في طبيعة المعركة بعيد استهدافها أيضاً للقيادي البارز في «حزب الله» فؤاد شكر يوم الـ30 من تموز ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، قبيل مرور 24 ساعة على هذا الحدث السابق، ولعل الجغرافيا التي وقع فيها الحدثان، الضاحية الجنوبية في بيروت والعاصمة الإيرانية طهران، كفيلة بإعطاء الفعلين طابعاً أكثر حدة على الرغم من أنهما يملكان الكثير مما يعطيهما ذلك الطابع.
من دون شك يمكن الجزم بأن هذه التطورات المتسارعة التي قررت تل أبيب، من خلالها، «كسر السقوف»، التي كانت سائدة منذ الـ7 من تشرين الأول المنصرم، كانت نتاجاً للزيارة التي أجراها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في الـ22 من تموز المنصرم، والتي استمرت حتى الـ28 منه، وكانت المناخات التي أحاطت بتلك الزيارة تشير إلى مسعى لدى هذا الأخير مفاده تكريس صورة إسرائيل في الغرب بوصفها «القلعة الحصينة» القادرة على حماية مصالح الغرب في الشرق الأوسط، بل ووصولاً إلى غرب آسيا، المنطقة التي تمثل حالة مفتاحية لفضاءات «أوراسيا» شديدة الأهمية له، لكن ذلك يحتاج إلى إسناد غربي غير مشروط إذا ما أريد لتلك «القلعة» أن تقوم بمهامها على أكمل وجه وفق الصورة التي أراد نتنياهو تكريسها، والراجح هنا أن هذا الأخير كان قد عمد، خلال مداولاته في واشنطن، للتعبير عن الخشية من أن كيانه قد يصاب بنوع من «الشلل» إذا ما استمرت حرب الاستنزاف التي طال أمدها حتى بات التعايش معها يحمل كمّاً من المخاطر قد يصعب تحديد مآلاتها، ولذا، ونحن هنا لا نزال في ترجيح ما كان عليه خطاب نتنياهو، فإن كسر هذه الحالة يمكن أن يحدث فقط عبر «رفع السقوف» الذي تبين معه تراصفات الأطراف كافة، خصوصاً بعد حال اليقين، التي أكدتها أشهر الحرب العشرة المنصرمة، ومفادها استحالة فك جبهات الإسناد الداعمة للمقاومة ما لم يجرِ نقل الحرب إلى معاقل تلك الجبهات.
يبدو أن ثمة تردد واضح في المواقف الأميركية حيال سياسة «رفع السقوف» التي ما كان لها أن تحدث لولا وجود ضوء أخضر أميركي فاقع، فالرئيس الأميركي جو بايدن قال في أعقاب اغتيال إسماعيل هنية: «هذا الأمر ليس مفيداً لوقف إطلاق النار»، والقول صحيح بالتأكيد فـ«الفراغات» التي يمكن لها أن تنشأ جراء عمليات الاغتيال سوف يجري ملؤها سريعاً حتى لا يكاد يلحظ أثر كبير لها، بل على العكس فإنها قد تفضي إلى مزيد من الشحن والتوتر بدرجة يصبح فيها من الصعب على صانع القرار الابتعاد عن مطالبات «جمهوره» بالرد، لكن تصريح بايدن آنف الذكر، يُبرز من دون شك أيضاً، حالاً من التردد أو هي أقرب إلى مراجعة الحسابات حتى ولو جاء ذلك بعد انطلاق السهم من القوس، ولربما كان هذا الموقف، فيما لو صدق، من النوع الذي يريد إبعاد الشرار كيلا تصل إلى برميل البارود، وعليه تصبح المعادلة الأهم هنا أن تقوم واشنطن بكبح جماح حليفها نتنياهو لكي لا يقوم بالرد على رد حزب اللـه وطهران الذي لا شك أنه قادم بهذه الصورة أو بتلك، ولعل فعلاً من هذا النوع هو الوحيد الكفيل بدرء حرب شاملة، إذا ما اندلعت فلسوف تكون الأشد مما شهدته الصراعات في المنطقة منذ زرع إسرائيل فيها.
من المؤكد أن مصلحة حكومة الحرب وعلى رأسها بنيامين نتنياهو تتعارض وهذا السيناريو الأخير، لكنها لا تستطيع الغوص أكثر فيما ذهبت إليه يومي 30 و31 تموز المنصرمين من دون وعد أميركي، لا يدركه الخطأ تحت أي ظرف كان، يقول إن واشنطن على استعداد تام بالانتقال فوراً من دور «مستودع الأسلحة والمعلومات» الذي حرصت على التمسك، والظهور فيه، على مدى الأشهر العشرة المنصرمة على الرغم مما يشوب الفعل، إلى دور الانخراط المباشر إن اقتضى الأمر ذلك، ولعل ذلك متوافر الآن وبدرجة تكاد تكون مثلى لاعتبارات لها علاقة بـ«الموسم الانتخابي»، ولها علاقة أيضاً برغبة أميركية في تعزيز سطوتها العالمية التي باتت عند خطوط دفاعها الأخيرة منذ حين.
كرة النار تبدو وكأنها استكملت شروطها الموضوعية لكي تبدأ حركتها بالتدحرج، و«الكل» يعلن أن لا رغبة لديه بإعطاء دفع لحركة الكرة آنفة الذكر، لكن المناخات التي استولدتها حالة الاحتياج الإسرائيلية، والتي ترى واشنطن أن لا سبيل سوى الاستجابة إليها، قد تدفع إلى انفلات «الزناد» تلقائياً ولو كان الأمر بعيداً عن «رغبة» القابض عليه، والراجح هنا أن حكومة الحرب قد اتخذت قرارها بتوسعة النار باتجاه لبنان بعدما كشفت زيارة نتنياهو الأخيرة للولايات المتحدة ضعف بايدن، المناشد دائماً بضبط النفس، ووجود دعم وازن داخل الكونغــرس الأميركي الذي صفق أعضاؤه له وقوفاً لأكثر من خمســين مرة، أما متى؟ فلربما كان هذا السؤال الذي لم تعـطِ، حكومـة الحــرب بعــد الإجابة عنه.
كاتب سوري