من دفتر الوطن

لحظة هروب!

| عصام داري

يحق لي الابتعاد قليلاً عن المشكلات والهموم التي تحاصرنا على مدى الساعات والأيام، ونهرب إلى ركن قصي نقضي فيه لحظات مخصصة للتأمل، وحتى للفلسفة والتفكير في حياتنا على هذه الأرض.

كتبت أكثر من مرة فقلت إننا ندفع من بنك أعمارنا سنوات عديدة لقاء متعة عابرة، أو أوهام وخيالات، أو في أوقات فراغ ليس فيها ذرة فائدة لنا، أو للآخرين، وأنا اليوم متمسك بما قلته منذ سنوات ومازلت أقوله حتى اليوم.

أزعم أننا لا نقدر نعمة العمر المحدود الممنوح لنا على هذه الأرض، فنسرف في إضاعة السنوات من دون أدنى تفكير في الغد القريب والبعيد، كما نسرف ونبذخ عندما يكون لدينا بعض فائض من مال، ولا نفكر أننا قد نجد أنفسنا ذات يوم بحاجة إلى كسرة خبز وجرعة ماء.

أعمارنا محدودة جداً مهما طالت، ورسالتنا في الحياة تتطلب منا ترك بصمة قبل الرحيل الأخير ليذكرنا من سيأتي بعدنا، ومن لا يفعل ذلك فستكون حياته ومضة في الزمن لا يتنبه إليها أحد، حتى أقرب الناس إليه.

لنصرف سنوات عمرنا في فرح وعمل يفيد منه الآخرون، وبناء علاقات صداقة ومحبة قبل أن يبحر مركبنا في سفرته النهائية.

أشعر بالصدمة والاستغراب عندما أسأل نفسي عن سر عشقي للحياة، وكرهي لها في آن معاً، فتصدمني اللحظة بقوة، فأشعر أننا على مفترق طرق، فإما أن نستسلم وحينها يستوي الوجود مع العدم، الحب مع الكراهية، التفاؤل مع اليأس، والنتيجة هي أن الحياة تكون على أبواب النهاية، وإما أن نصنع سعادتنا والفرح بأيدينا قبل فوات الأوان.

قد نجد أنفسنا في الزمان الغلط المشحون بأشباح وغيلان تحتل مساحات كانت لإنسان طبيعي يعشق نسائم الصباح، وسهرات الزجل والغزل على ضوء القمر، وقد نسبح في تيار جارف، يحاول جرجرتنا نحو أعماق الجهل والتخلف والتوحش اللامحدود، لكننا لن نتوقف عن زراعة ورود الحب وأزاهير الأمل، ونملأ الأرض دروباً لعشاق سيأتون بعدنا، ويتذكرون أياماً كان العشق رجساً من عمل الشياطين والأبالسة، ومن يقترف جرم العشق تحق عليه لعنة الأرض والسماء.

حياتنا ليست نزهة في الزمان والمكان بلا هدف نسعى إليه، وإنما هي رحلة طويلة تحمل كل المفاجآت والإدهاش واللامعقول، ونحن من يحدد الخيارات والدروب والسبل، ونقرر إلى أين تقودنا أقدارنا المرسومة- ربما- قبل أن نختار الطريق!

وحياتنا نصنع بعض تفاصيلها، ونختار مع من نسير، ومن نحب ومن نكره، لكن الأهم أننا نسير قدماً نحو الأمام ولا مجال للتراجع خطوة واحدة.. وعلينا ألا ننسى أن الحياة لحظة وتمر، فيجب ألا نضيعها في البحث عن المشكلات وإهدار لحظة حب قد لا تعود.

المهم، أنني خطفت من الزمن لحظة هروب وتأمل صعب أن تتكرر كثيراً، واستطعت الابتعاد عن الهموم ومشكلات الغلاء والبلاء، حتى لو لم يستمر هروبي سوى هذه اللحظة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن