ثقافة وفن

ماذا عن الآثار السورية المنهوبة؟ وكيف تسعى الحكومة لاستردادها؟ … عوض لـ«الوطن»: نهبت قطع من المتاحف وهي تحمل أرقاماً ومواصفات وتمتلك سجلاً تعريفياً

| مصعب أيوب

الأزمة السورية والمعارك التي دارت في مواقع أثرية عدة جعلت أيدي المسلحين والمرتزقة وضعاف النفوس تتسلل إلى تراثنا وتاريخنا وقطع مهمة مما خلفته الحضارات المتعاقبة على الأرض السورية، فأصابت تلك المجموعات الآثار بضربات همجية وعشوائية وقامت بالعبث والتخريب ونهبت وسرقت الكثير منها في محاولاتها المستمرة لطمس الهوية السورية والتاريخ العريق للبلاد، وإنه لأمر عظيم وجلل لأن هدم المباني يمكن تداركه بإعادة البناء والترميم، لكن نهب أو حرق وتحطيم حجر واحد من تراثنا لا يمكن التهاون معه ويترك أثراً بارزاً في تاريخ البلاد ولاسيما أنهم بهذه الأفعال يتعمدون قطع التواصل بين الماضي والحاضر.

استكمالاً لما نشرته «الوطن» في عدد سابق نستأنف معكم اليوم الحوار الخاص مع مدير عام الآثار والمتاحف محمد نظير عوض لنقف على ما خلفته الحرب الهمجية على آثارنا وكيف تم التعامل مع ملف استرداد الآثار المنهوبة.

• ماذا عن الآثار التي تمت استعادتها وكيف كانت الآلية وكم تبلغ نسبة المستردّات؟ هل هناك إحصائيات لنوعية تلك الآثار ونوعيتها وتاريخها؟

صراحةً ملف استرداد القطع الأثرية المنهوبة أو التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية ملف مهم جداً، وكما أشرت سابقاً فإن الحفريات وعمليات التنقيب التي كانت تتم سابقاً جعلت عدداً كبيراً من تراثنا وتاريخنا يخرج من أيدينا بسبب الأعمال التخريبية، واليوم نميز بين نوعين من القطع التي نهبت ومنها القطع التي سرقت من المتاحف والتي منها متاحف تدمر وإدلب والرقة وهي قطع متحفية ولها أرقام ومواصفات وتمتلك سجلاً تعريفياً بها، ومتحف تدمر سرق منه الكثير من القطع وهي تفوق المئات وحتى اليوم مستمرة عمليات الجرد لأعداد القطع، ومتحف إدلب لا نعلم شيئاً عنه وهو بحكم المنهوب، وفيما يخص قطع متحف الرقة التي سرقت من البنك المركزي بعد سقوط المدينة فإنها تتجاوز خمسة آلاف قطعة، وهذه القطع أينما ظهرت في أي بقعة جغرافية من العالم في المزادات والأماكن التي يتم فيها بيع قطع كهذه من الممكن الوصول إليها واستعادتها، ولكن استعادة هذه القطع بعد عرضها في المزادات مهمة صعبة للغاية لأن هذا الموضوع شائك وتواجهه صعوبات قانونية وفنية كثيرة، وكل قطعة تظهر في مكان ما أو مزاد وما إلى ذلك يتم عرض البيانات التعريفية عنها وبالتالي يمكننا التعرف عليها وتقديم طلب إيقاف البيع بالتواصل مع جهاز الأمن الدولي «الإنتربول» عن طريق وزارة الداخلية ومكتبهم في سورية ويمكننا توقيف عملية البيع لتبدأ مجموعة من المراسلات لاسترداد هذه القطع، وقد استطعنا استعادة بعضها فعلاً وتعذر علينا استعادة الكثير، ولكن الملف هذا شائك جداً ومعقد ويحتاج إلى محامين دوليين في الخارج لمقاضاة وحضور الجلسات القضائية اللازمة للتفاوض من أجل استعادة القطع المسروقة بحيث يتم رفع دعاوى على أولئك الأشخاص.

ومن ناحية المستردات كان آخر ما وصل إلى المتحف الوطني بدمشق هو «ساكف» باب من البازلت من الجنوب السوري ظهر في لندن واستطعنا استعادته ووضع في المتحف الوطني بدمشق، وتم ذلك بطرق قانونية بالتواصل مع المتحف البريطاني الذي أودع لديه هذا «الساكف» بعد مصادرته عن طريق الشرطة الدولية، أيضاً قمنا قبل ذلك باستعادة ثلاث قطع من سويسرا من جنيف تحديداً بعد مصادرتها وقمنا بتكليف محام قام بتمثيل الجمهورية العربية السورية من أجل ذلك، وهاتان القضيتان على مستوى عال من الأهمية بحيث أنهما تؤكدان على ملف الاسترداد، وأن هناك أشخاصاً قانونيين يقفون وراءه ويتابعونه ومؤسسات حكومية تتابع هذا الملف، كما أن هناك طرقاً دبلوماسية أخرى من خلال استعادة حولى 92 قطعة من جمهورية لبنان الشقيق وهي على الأغلب قطع تدمرية، تمت مصادرتها وتسليمها للجمهورية العربية السورية.

وعلى المستوى الداخلي فإن الجهات الأمنية ممثلة بالجيش والشرطة سلمت إلى المتحف الوطني حتى الآن أكثر من 35 ألف قطعة ضبطتها في أماكن متفرقة وسلمتها إلى المتحف الوطني بدمشق، وهنا نتحدث عن قطع أثرية قيد الجرد وقيد التعامل معها لجهة إدخالها في سجلات المتحف، منها قطع كانت عند نقطة الحدود معدة للتهريب، ومنها سرير جنائزي تدمري كان وصل من تدمر إلى حدود إدلب وقام الجيش العربي السوري بضبطه ومصادرته ونقله وإيداعه إلى المتحف الوطني بدمشق، وهو سرير جنائزي قد يصل وزنه لأكثر من 700 كيلو غرام، وبالطبع وزارة الثقافة تتابع هذا الملف وتدعمه بقوة بحيث يعرض بشكل دائم على مجلس الآثار بعض القضايا مما تم الوصول إليه في الكثير من الملفات التي تتعلق بملف الاسترداد، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بمشاريع التوثيق والرقمنة «رقمنة التراث الثقافي السوري أو رقمنة الآثار السورية بصورة أدق».

• ما الصعوبات التي تواجه استعادة الآثار المهربة وكيف يتم ذلك؟

هناك صعوبات وتحديات شديدة وعصيبة في استعادة القطع المسروقة، وإذا لم تعرض هذه القطع في مزادات أو أماكن عرض وبيع سيتعذر علينا معرفة مكانها والوصول إليها والتعرف على ماهية الأمر، وهذه القطع التي هُرّبت إلى خارج القطر لكي نتمكن من معرفة مواقعها لا بد من أن تعرض في مزادات عالمية وأماكن للبيع.

وتقسم هذه القطع إلى نوعين، ومنها ما تم تهريبه بوساطة التنقيب العشوائي والبعيد عن الرقابة وسيطرة الحكومة، فهناك آلاف القطع هُرّبت بوساطة التنقيب وللأسف لا نعلم شيئاً عنها، فالمخربين وتجار الآثار والمهربون الذي نقبوا واستخرجوا القطع بشكل سري وعشوائي قاموا بتهريب القطع خارجاً، ونحن لا نمتلك صوراً وأرقاماً لتلك القطع ولا أي رمز سري يوصل إليها لأنها من الدفائن، على حين القطع التي هربت من المتاحف لدينا أرشيف عنها ووثائق وأرقام وكل ما يثبت ملكيتها للدولة السورية ويمكننا متابعتها بدقة.

أما النوع الثاني فهو ما تم تهريبه من المتاحف، وكما أسلفنا فإن متحف إدلب بحكم المنهوب وإن ظهرت إحدى القطع التي كانت فيه فيمكننا ملاحقتها بطريقة ما لأننا نمتلك التوثيق الخاص بها، وكذلك الحال فيما يخص متحف تدمر.

• ماذا عن الاتفاقيات الدولية التي تنص ضرورة حفظ الممتلكات الثقافية والأماكن الأثرية في حالات النزاع والصراع؟

في حقيقة الأمر أن الدول التي وطأت الأراضي السورية منذ بداية الحرب على سورية لم تحترم أي نوع من الاتفاقيات الدولية أو القوانين التي منها اتفاقية لاهاي 1954 التي تنص على حماية الممتلكات الثقافية والبروتوكولات التي جاءت عام 1954 وعام 1999، وبالعودة إلى وسائل التواصل نجد أن معظم القوات التي دخلت الأراضي السورية سواء كانت فرنسية أم أميركية أو تركية لم تحترم هذه الاتفاقيات بل إن وجودها على الأراضي السورية أدى إلى تدمير المواقع الأثرية وهذه الفرق العسكرية هي نفسها من تتاجر وتنقب بالتراث والآثار السورية دون أي رادع أو رقيب، وهو ليس بغريب عن مجموعات أو دول دخلت بصفة محتلة وبالتالي لا يمكن استغراب عدم احترمها للتراث وصونه، وعلى رأس تلك الاتفاقيات اتفاقية لاهاي 1954 التي تنص على صون الممتلكات الثقافية في حالات النزاع المسلح وبروتوكول عام 1999 المكمل لهذه الاتفاقية، وهناك الكثير من المعلومات التي ترد إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف تؤكد على تورط كل الجهات المحتلة للأراضي السورية في الاتجار بالآثار والممتلكات والتعدي على المواقع الأثرية أو تسهيل ذلك.

بعض مما جاء في اتفاقية لاهاي 1954

1- تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة باحترام الممتلكات الثقافية الكائنة سواء في أراضيها أم أراضي الأطراف السامية المتعاقدة الأخرى، وذلك بامتناعها عن استعمال هذه الممتلكات أو الوسائل المخصصة لحمايتها أو الأماكن المجاورة لها مباشرة لأغراض قد تعرضها للتدمير أو التلف في حالة نزاع مسلح، وبامتناعها عن أي عمل عدائي إزاءها.

2- تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة أيضاً بتحريم أي سرقة أو نهب أو تبديد للممتلكات الثقافية ووقايتها من هذه الأعمال ووقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها، وبالمثل تحريم أي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات. كما تتعهد بعدم الاستيلاء على ممتلكات ثقافية منقولة كائنة في أراضي أي طرف سام متعاقد آخر.

3- تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بالامتناع عن أي تدابير انتقامية تمس الممتلكات الثقافية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن