المنطقة تحبس أنفاسها.. سيناريوهات رد المقاومة واحتمال التصعيد
| محمد نادر العمري – كاتب سوري
لعل أن حسابات ميزان الذهب وضبط إيقاع التوازن ومنع انفلات الأمور، وغيرها الكثير من الجمل والعبارات التي طالما تم استخدامها وتوظيفها من قبل نخب سياسية ورموز أكاديمية ووسائل إعلامية، وتصدرت العديد من الدراسات البحثية وتقديرات المواقف والمقالات السياسية، هي اليوم تتهاوى بشكل تعكس حالة المنطقة التي باتت تقرع «طبول الحرب» وفق العديد من مؤشرات الاستفزاز والتصعيد التي تبلورت بشكل متسارع مؤخراً، سواء كان ذلك بعد استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي لميناء الحديدة في اليمن قبل يومين من زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة الأميركية وإلقائه كلمة داخل الكونغرس في الـ24 من الشهر الماضي، لاستجلاب المزيد من الدعم الأميركي للكيان، تزامناً مع وضع نتنياهو المزيد من التعقيدات على اتفاق وقف إطلاق النار، وصولاً لكسر قوات الاحتلال قواعد الاشتباك وتجاوز الخطوط الحمر بعد اغتيال أحد القادة المؤسسين لحزب اللـه اللبناني وأبرزهم فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن ثم اغتيال رئيس الجناح السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية في طهران، أثناء حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، لتتسارع بعدها التصريحات والتهديدات للرد على هذين العدوانين، بالتزامن مع مسارعة الولايات المتحدة لإرسال قوات إضافية للمنطقة ودفع العديد من القنوات الدبلوماسية لممارسة الضغط على إيران وحزب اللـه لعدم الذهاب نحو القيام برد عسكري يستهدف الكيان الإسرائيلي أو التخفيف من حدته.
ما يتم تسريبه من خلال وسائل إعلام غربية عن جهود تقودها بعض الدول الأوروبية والإقليمية لإقناع إيران بعدم الرد أو جعل الرد رمزياً، هي محاولات لا يبدو أنها ستجد صدى لدى طهران، بل على العكس من ذلك، فإن الرد الإيراني، وفق ما يصرح به المسؤولون الإيرانيون، يجب أن يكون أكبر من الرد الذي حصل في الـ14من نيسان 2024، ضمن ما عرف بليلة الصواريخ والطائرات المسيرة، وذلك لعدة أسباب أبرزها وفق رؤية الباحث:
أولاً_ الرد العسكري الإيراني الذي جاء ليلة الـ14 من نيسان الماضي والذي تضمن إطلاق أكثر من 300 طائرة مسيرة وصواريخ بعيدة المدى، رداً على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سورية، كان من أبرز أهدافه هو تكريس قواعد اشتباك مع الكيان الإسرائيلي، الذي قام باستهداف شخصيات رفيعة في سورية، ولكن هذه المرة الاستهداف تم داخل الأراضي الإيرانية وفي أبرز مناطق الحرس الثوري وبالتزامن مع مناسبة سياسية لها مالها من رمزية في الداخل الإيراني والمتمثلة في تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، بمعنى آخر نعم تم استهداف شخصية قيادية فلسطينية ولكن داخل الأراضي الإيرانية وهي رسالة إسرائيلية لطهران هدفها الإحراج للقيادة السياسية، والمس بأمن البلد.
ثانياً_ أن الرئيس مسعود بزشكيان هو رئيس محسوب على التيار الإصلاحي، وبالتالي بعض الإشاعات بداخل إيران وخارجها روجت في أن هذا الرئيس يبحث عن الدبلوماسية والتعاون مع الغرب، ولن تكون له مواقف متشددة تدفعه لاستخدام القوة العسكرية.
ثالثاً_ الرد بطريقة رمزية ستمنح رئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة لإعادة تكرار هذا العمل العدواني والذي قد يطول شخصيات بارزة في إيران وباقي محور المقاومة، ولاسيما أن هناك ضوءاً أخضر أميركياً لارتكاب مثل هذه الاغتيالات، وفي الوقت ذاته جهوداً أميركية لحماية الكيان من أي رد.
رابعاً_ الرأي العام الداخلي الإيراني الضاغط بشكل مباشر وغير مباشر على النظام السياسي في إيران للقيام برد قوي على إسرائيل.
حتمية الرد، باتت من المسلمات التي باتت تقلق تل أبيب ومن خلفها واشنطن والكثير من العواصم الغربية والإقليمية، ولاسيما بعد تصريحات الأمين العام لحزب اللـه أثناء تأبين الشهيد شكر، بالقول: إن «الرد حتمي ومؤكد وفق ما تم تحديده سابقاً من قواعد اشتباك، والأمر متروك للأيام والليالي والميدان»، إضافة لما أورده في خطابه، «أن من لا يريد انجرار المنطقة لمجابهة وحرب إقليمية عليه أن يضغط على إسرائيل لعدم الرد على ردنا»، إلا أن السؤال الذي بات يفرض نفسه اليوم وبعد حصول ذلك، يتمثل في شكل الرد وطبيعته من قبل محور المقاومة؟ واحتمالات تصاعد الأوضاع في المنطقة نتيجة هذا الرد؟ الإجابة عن هذا السؤال المركب يضعنا أمام عدة سيناريوهات يمكن تحديد معالمها، من وجهة نظر شخصية، على الشكل الآتي:
– السيناريو الأول يكمن في أن يكون الرد مشتركاً من قبل كل قوى محور المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي من خلال عملية مركبة يقودها الحرس الثوري الإيراني، وذلك من خلال إطلاق جبهات الإسناد، الطائرات المسيرة والصواريخ قصيرة المدى لإشغال منصات الدفاع الجوي لقوات الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه، على أن يليها أو يتزامن معها إطلاق صواريخ بعيدة المدى ونوعية من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
– السيناريو الثاني يتمثل في حصول ردين من قبل المحور، الرد الأول يقوم به حزب اللـه من جنوب لبنان ويكون مركباً وعلى مراحل، لكون العدوان الإسرائيلي تضمن استهداف الضاحية في العاصمة بيروت وأدى لاستشهاد وإصابة مدنيين، فضلاً عن استشهاد أحد أبرز الشخصيات المؤسسة للحزب، والرد الثاني هو الرد الإيراني والذي قد يكون إيرانياً بحتاً على غرار ليلة الـ14 من نيسان ولكن بحجم أكبر وأكثر فاعلية في استخدام القوة، أو قد يكون مشتركاً كما تم شرحه في السيناريو الأول.
ومن بين هذين الخيارين، نرجح السيناريو الثاني، لعدة أسباب أهمها:
– أولاً: رغبة الحزب في الفصل بين الردين، وقيامه بعمل عسكري أحادي لكونه في حالة صراع مفتوح مع الكيان الإسرائيلي، ويريد الحفاظ على معالم قواعد الاشتباك التي راكمها خلال الفترة الماضية وبالتحديد منذ عدوان تموز 2006 حتى عملية طوفان الأقصى، ويريد تكريسها وإجبار الكيان وحكومته للعودة إليها لعدم منح نتنياهو وائتلافه من اليمين المتطرف فرصة خرقها مرة جديدة، وفي الوقت ذاته المشاركة ضمن عمل المحور في إطار الإسناد للرد الإيراني من خلال المناورة والإلهاء.
– ثانياً: الكيان الإسرائيلي قام باعتداءين نجم عنهما استشهاد فؤاد شكر في لبنان وإسماعيل هنية في طهران، وهو ما يتطلب القيام بردين وعدم منح الكيان فرصة التنصل من مسؤوليته عن إحدى العمليتين، كما أن إيران تريد تمييز ردها لكون العدوان استهدف هنية داخل الأراضي الإيرانية وفي العاصمة طهران وفي أكثر المناطق تحصيناً وهو ما يشكل رسالة مباشرة للنظام السياسي الإيراني، وقدراتها، ومكانتها وصورتها في البيئتين الداخلية والخارجية.
أما فيما يتعلق باحتمالية تصعيد الأوضاع على مستوى المنطقة وتدحرجها بشكل دراماتيكي وتحولها لحرب شاملة، فهذا يتوقف من ناحية على طبيعة رد المحور وحجمه وبنك أهدافه، وكذلك على طبيعة الموقف الإسرائيلي من ناحية ثانية في مدى قدرته على امتصاص الرد أو القيام برد مضاد، وقدرة الولايات المتحدة من ناحية ثالثة على ضبط الأمور.
بطبيعة الحال إشارة الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه أن الصهاينة «سيبكون كثيراً»، وتوجيه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي للثأر والانتقام لدماء الشهيد إسماعيل هنية، كل ذلك يؤكد أن المحور يريد توجيه صفعة مؤلمة لبنيامين نتنياهو الذي يقامر في مصير المنطقة من أجل تحقيق أهدافه السياسية، ولعل أبرز التجليات المؤكدة على جدية وحجم هذا الرد، يكمن في ممارسة الغرب لكل أشكال الضغوط على المحور، ولاسيما إيران والحزب لعدم الرد أو الاتفاق على رد محدد، وكذلك إرسال هذا الحجم الكبير من البوارج الحربية وحاملات الطائرات وإعادة تموضع القوات الأميركية والأطلسية في المنطقة، وإعلان أكثر من 8 دول غربية وإقليمية في المشاركة بالدفاع عن أمن الكيان الصهيوني الغاصب.