ثقافة وفن

كيف أثر الزلزال في الآثار السورية؟ … عوض لـ«الوطن»: 40 موقعاً تضررت بفعل الزلزال ونعمل على ترميم وصون ما أمكن

| مصعب أيوب

بعد أن ضرب زلزال شباط 2023 البلاد وخلف ضحايا بشرية بأعداد كبيرة ودمر المباني والقرى والبلدان، كان لا بد من معرفة كيف كان وقع ذلك على المواقع الأثرية والتراثية والأماكن التاريخية ليتبين أنه أحدث أضراراً كبيرة جداً وأوجد تصدعات وتحطمات في أحجار ومداخل قلاع مهمة جداً، ففي حلب سقطت أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي، وظهرت تصدعات وتشققات على واجهة المتحف الوطني في حلب، وفي طرطوس تضررت بعض المباني داخل قلعة المرقب وسقط الجرف الصخري في محيط قلعة القدموس.

لنكون في صورة الحدث بشكل أوسع وأعمق نستأنف اليوم الحوار الذي بدأناه معكم في أعداد سابقة حول واقع الآثار السورية مع مدير عام الآثار والمتاحف محمد نظير عوض.

• إذا أردنا تسليط الضوء على ما خلفه الزلزال وكيف كانت نتائجه وما حجم ونسبة الأضرار التي أحدثها وكيف تم التعامل معها، هل يمكن أن تخبرنا أكثر عن ذلك؟

في الحقيقة كان الكثير من الدراسات والخطط التي وضعت للحفاظ على الآثار والتراث السوري ترجح أن يتم تجاوز تداعيات وآثار الحرب القذرة على سورية مع حلول نهاية عام 2023، وقد خصصت الحكومات المتعاقبة منذ عدة سنوات كتلاً مالية لإجراء أعمال الترميم والأعمال الإسعافية التي من شأنها حماية ما تعرضت له المواقع الأثرية من تدمير وقصف خلال الحرب، فقد تم عقد عدة اتفاقيات تسهل عملية دخول دول وخبرات شقيقة من أجل ذلك، وكان منها سلطنة عمان التي قدمت بعض المواد الأولية واللازمة لعمليات الترميم، إضافة إلى اتفاقيات مع الجانبين التشيكي والهنغاري من أجل ترميم بعض الأوابد وإجراء عمليات صيانة لها، ولكن مهما قدمت مساعدات وضخت أموال لا تكفي أمام التحديات التي أفرزتها الحرب ويبقى الاعتماد الرئيسي والأول على ما تخصصه ميزانية الدولة لوزارة الثقافة ومديرية الآثار والمتاحف سنوياً لأعمال الترميم في جميع المحافظات السورية، وبالتالي تطول أعمال الترميم جميع المحافظات.

فيما يخص الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في شباط 2023 فقد كانت له تداعيات وتأثيرات مدمرة، فزاد من التحديات وفاقم العقبات والصعوبات وجعل الأمور أكثر تعقيداً، بحيث أثر عنفه بشكل كبير في عدة مناطق وكان شديداً في حلب وريفها وأحدث تصدعات كثيرة في قلعة حلب وفي المدينة القديمة، بالإضافة إلى مشاكل إنشائية في القلعة وفي المباني التاريخية في مدينة حلب، علاوةً على ما أحدثه من أضرار في المناطق الساحلية وتحصيناتها ونذكر منها قلعة صلاح الدين وقلعة المرقب وقلاعاً أخرى أقل حجماً ومعالم أثرية في الساحل وفي مدينتي جبلة واللاذقية ووصل هذا التأثير إلى طرطوس وإلى حماة، وقد تأثرت قلعة شيزر بهذا الزلزال وحصون أخرى.

ونحن باشرنا العمل فوراً بعد الزلزال بإجراء أعمال تقييم لمواقع أثرية كثيرة بلغ عددها نحو 40 موقعاً جميعها تأثرت بالزلزال وقد بدأنا بالأعمال الإسعافية منذ الأيام الأولى، والأولوية تقتضي البدء بالمعالم التي أصابها ضرر كبير من أجل تخفيفه أو محاولة منع وقوع أحجاره أو تدهوره، وتمت تلك الأعمال في قلعة حلب ومدينتها ومن أهمها ما نفذ على مدخل القلعة لتدارك إصابته، وكان ذلك بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية وهو مشروع مهم جداً بالنسبة لنا.

وفي المدينة القديمة أيضاً تجري الآن أعمال ترميم واسعة تشرف عليها المديرية العامة للآثار والمتاحف وهي جزء من اتفاقية مبرمة مع محافظة حلب والأمانة السورية للتنمية وشبكة الآغا خان، إضافة إلى أعمال أخرى أسست أيضاً مع هذه الشبكة بعد الزلزال لترميم بعض الأضرار في قلعة حلب وفي الخانات وبعض المساجد ومشروع مهم في المدرسة الحلوية في المدينة.

وفي الخلاصة فإن الاتفاقيات أبرمت والأعمال بدأت على أرض الواقع والدراسات أعدت لترميم أربعة مواقع مهمة في حلب القديمة وفي القلعة وربما أكثر من الجنوب السوري وحتى مناطق الساحل وغير ذلك.

• ماذا ينقص الآثار السورية اليوم؟

بشكل موجز فإن تداعيات الزلزال كانت شديدة جداً وأثرت بشكل سلبي في كثير من المواقع المهمة وقد استطعنا تدارك الكثير من الحالات الحرجة بمداخلات إسعافية من خلال بعض التعاونات الدولية والدعم الوطني، ونحن حتى الآن لدينا الكثير من التحديات والصعوبات، ولاسيما أننا نعاني حصاراً اقتصادياً جائراً على سورية التي ما تزال تعاني من تداعيات الحرب وهو ما يؤثر في بطء عمليات الترميم وعلى الحاجة الدائمة إلى مواد والحاجة إلى تقنيات ضرورية ولازمة لأعمال الترميم، ناهيك عن هجرة الخبرات والحاجة إلى تطوير وبناء خبرات جديدة، ونأمل أن تتسع المساحات التي نستطع فيها إجراء عمليات ترميم كبيرة وفي كثير من الأبنية التاريخية والأثرية وأن يكون لدينا المزيد من الأموال التي تخصص لمثل هذه المشاريع حفاظاً على التراث الثقافي السوري المهم.

• ماذا عن مشروع صيانة وترميم قوس النصر في تدمر وإلى أين توصلتم مع الجانب الروسي حول ذلك؟

قوس النصر صرح مهم ويعد من أهم وأبرز المكونات الأثرية في مدينة تدمر إضافة إلى أنه يعد رمزاً للسوريين وربما يعلم جميع المطلعين على الشأن الثقافي والعلمي وجود ما يرمز إليه ومجسمات مصغرة له على المطبوعات والكتب إضافة إلى مطبوعات مدرسية في روسيا يظهر عليها قوس النصر.

ومن الاتفاقات المهمة جداً وذات البعد الوطني العميق والمبرمة مع جهات خارجية لأعمال الترميم في تدمر اتفاقية لترميم قوس النصر مع الأكاديمية الروسية للعلوم بالتعاون مع وزارة الثقافة ممثلة بالمديرية العامة للآثار والمتاحف والأمانة السورية للتنمية والتي أبرمت في 21 تشرين الثاني 2022. وقد أنهى الفريق المرحلة الأولى المتمثلة في توثيق الوضع الراهن وإدارة وفرز لركام القوس ودراسة ومخطط له، وتم أيضاً إنجاز المرحلة الثانية المتمثلة بالدراسات التحليلية ووضع التصور الأولي لكيفية إعادة وترميم البناء، وفي المرحلة الثالثة عقدت عدة ورشات عمل للأطراف الثلاثة بحضور خبراء اللجنة العلمية الدولية التي شكلت بالتعاون مع اليونسكو، وخلال هذه الورشات تمت دراسة الوثائق والتقارير المنجزة في المرحلة الثانية وكانت آخر هذه الورشات في 4 نيسان 2023، حيث انتهت الأطراف الثلاثة من الاطلاع على كل الملاحظات والتعاطي مع كل ما يلزم وما مطلوب تداركه لننجز الملف الفني العلمي النهائي للبدء في المرحلة التالية وهي بناء القوس وترميمه، وقد أرسلت الدراسة إلى منظمة اليونسكو التي صادقت عليه وتبنته وأثنت على المشروع ككل، وقد كان الملف منجزاً ومحكماً بعناية وإتقان من الطرفين الروسي والسوري، ونحن الآن ننتظر بعض الوقت إلى أن تصبح الأمور أكثر وضوحاً للبدء في المرحلة الثالثة، وخلال هذه الفترة لدى الجانب الروسي بعض التحضيرات منها استقدام معدات وأجهزة ورافعات وما إلى ذلك مما هو ضروري للمرحلة التي تعتبر الأكثر تعقيداً، وربما تحتاج لبعض الوقت لأنها مهمة جداً ودقيقة ويتم فيها تنفيذ الدراسات والتحليلات التي أعدت في المراحل الأولى، ومن المتوقع أن يكون هناك اجتماع مع الأطراف الثلاثة في هذا الشهر لتقييم ما وصلنا إليه وما ينقصنا، وجميع الأطراف مهتمة جداً وتسعى بجهد لإنجاح المرحلة الثالثة لهذا المشروع المهم، ولأن المدينة مسجلة على لائحة التراث العالمي فهذا يبرر الجدية والدقة والاهتمام الفائق لدى أطراف هذا المشروع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن