سلاح نتنياهو وشكل المرحلة القادمة
| علي عدنان إبراهيم
ارتفعت وتيرة الاغتيالات الإسرائيلية للقادة السياسيين والعسكريين بمحور المقاومة في الآونة الأخيرة بضوء أخضر أميركي، ثلاثة منها كانت على قدر عالٍ من الحماقة لارتكابها، فأي واحدة كفيلة بجر المنطقة لحرب شاملة، إلا أن رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو قرر على ما يبدو، السير بمخططه حتى النهاية، مدعوماً بضعف المعارضة والشارع الإسرائيليين، وبجنون حلفائه المتطرفين في ائتلاف السلطة، وبما يسمى التزام أميركا ومن بعدها أوروبا أمن إسرائيل مدى الحياة.
قبل أسبوعين أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن تصفية قائد كتائب القسام محمد الضيف الذي أعلن شخصياً في السابع من تشرين الأول انطلاق طوفان الأقصى، قالت إسرائيل إنها اغتالته بغارة جوية في خان يونس ولم تؤكد حركة حماس هذا النبأ، لكنها لم تنفه بشكل قطعي، حيث قال عضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق إن «تأكيد أو نفي استشهاد أي من قيادات القسام هو شأن قيادة كتائب القسام وقيادة الحركة، وما لم تعلن أي منهما فلا يمكن تأكيد أي خبر من الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام أو من أي أطراف أخرى»، وقبل أيام فقط اغتالت إسرائيل أيضاً رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران الذي إن اتفقت أو اختلفت معه في الرأي، فهو يمثل رأس الحركة التي تواجه كيان الاحتلال بشكل مباشر خارج فلسطين، وهو من يقود عملية المفاوضات الطويلة التي لم تتنازل فيها حماس عن أي من مبادئها التي أدخلت إسرائيل في حرب استنزاف طويلة ومقامرة قد تنتهي بخسارتها واضمحلالها، كذلك طالت يد الاغتيالات الإسرائيلية فؤاد شكر (الحاج محسن) في ضاحية بيروت الجنوبية، وهو الرجل الذي يعتبر باعتراف العدو، القائد العسكري الفعلي لقوات المقاومة اللبنانية منذ انطلاق جبهة الإسناد في جنوب لبنان يوم الثامن من تشرين الأول الماضي، وشخص له رمزية كبيرة على اعتبار أنه كان أحد مدبري العملية الضخمة التي أجبرت الأميركيين على الهرب من لبنان عام 1983 خلال الحرب الأهلية بعد التفجير الذي قتل وجرح حينها المئات من جنودهم، والسؤال هنا: إلى متى وإلى أين ستستمر عمليات الاغتيال الإسرائيلية لقادة المقاومة السياسيين والعسكريين؟
أما الجواب فيأتي بعدة أوجه أولها، أن هذه الاغتيالات تعتبر تجاوزاً واضحاً وصريحاً لكل الخطوط الحمراء، ويجب أن تقابل بردٍّ قوي جداً حتى لو أدى لانفجار المنطقة كلها ونشوب حرب كبرى، وهو أمر مستبعد جداً على اعتبار أن أحداً لا يريد الوصول إلى حرب مدمرة، وحق الرد القوي هذا يؤكده حزب اللـه وطهران بشكل يومي دون الإفصاح عن شكله ومكانه أو زمانه، حيث قال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي في تصريحه الأخير: «عندما يتلقى الصهاينة رداً قوياً وقاصماً سيعلمون أنهم مخطئون»، والهدف هنا أن يعلموا أنهم مخطئون فعلاً ويبادروا إلى التوصل لاتفاق ينهي الحرب بصفقة تبادل، الأمر الذي بات واضحاً أنه لا يرضي نتنياهو وجماعته المسيطرة على حكومة الكيان لاعتبارات شخصية قد تودي بهم، في حال انتهت الحرب وبدأت عملية ترتيب البيت الداخلي، وثانيها، أن نتنياهو يمارس بكل دهاء لعبة عض الأصابع، فبعد تدميره جميع مدن قطاع غزة خلال 10 أشهر وقتل وتشريد أهلها على مرأى العالم كله من دون أن يتمكن الرأي العام العالمي من الوقوف في وجهه أو حتى على الأقل منع الإسرائيليين، ومنهم ضباط وجنود شاركوا في عمليات القتل بصور موثقة، من المشاركة في الألعاب الأولمبية مثلاً كاعتراض على ممارساتهم وممارسات حكومتهم الإجرامية، بدأ عملية اغتيال القادة واحداً تلو الآخر، وقد يدفع بكل قوته لتحقيق الهدف الذي عجز عنه طويلاً وهو الوصول إلى مكان قائد حركة حماس في داخل غزة يحيى السنوار واغتياله، ما سيؤثر بشكل كبير في قوة الحركة وتحركها وعملها على الأرض، وربما على حزمها في المفاوضات، وقد يتجاوز هذا المخطط غزة وحماس، ويبتعد أكثر لشن عمليات اغتيال مكثفة للقادة في كل دول المقاومة في لبنان والعراق واليمن وغيرها، بحيث يضمن الإسرائيلي شل المحور وتخبطه وفقدان التنسيق بين أذرعه الضاربة كافة.
من هذا المنطلق فإن المرحلة القادمة يجب أن تتسم بإدارة مختلفة وتعامل مغاير، لما سبق بهدف حرمان نتنياهو المدعوم أميركياً من تحقيق نصر معنوي، وهو ما أكده الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه في خطابه الأخير خلال تشييع جثمان القيادي فؤاد شكر حيث قال: «نحن في جبهة المقاومة دخلنا مرحلة»، ووجه كلمة واضحة للإسرائيليين قال فيها: «اضحكوا قليلاً لأنكم ستبكون كثيراً وأنتم لا تعرفون أي مرحلة دخلتم»، إذاً هناك مرحلة جديدة، مرحلة قد لا تتجاوز حالة الاستنزاف المستمرة لقوات العدو واقتصاده، لكنها ستكون أكثر فتكاً وإيلاماً بحيث لا تجر المنطقة لحرب تنخرط فيها الولايات المتحدة، ولا تريح كيان الاحتلال أو تجعله يفكر بغير إنهاء هذا الاستنزاف والتوصل إلى هدنة، والنقطة الأهم في هذه المرحلة الحرص على حياة القادة وعقول المقاومة ومخططيها والمنسقين بين أذرعها في الدول المعنية بالحرب، حتى لو اضطر الأمر لإخفائهم، فعلى ما يبدو أن عيون العدو وجواسيسه موجودون في كل مكان، هذا بالإضافة إلى ما يمتلكه من تقنيات تجعله قادراً على ملاحقتهم واغتيالهم.
في النهاية فإن جميع هذه التوقعات مستقاة من منطق سير الأحداث، وفي حال عدم انجرار المنطقة لحرب إقليمية شاملة قد تتحول مباشرة إلى عالمية ينخرط فيها الجميع وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية التي فعلاً بدأت تحريك مدمراتها وإرسال قائد القيادة المركزية الجنرال مايكل كوريلا إلى المنطقة تحضيراً لما هو قادم.