دور الانتماء العرقي في الانتخابات الأميركية!
| دينا دخل الله
يلعب البرنامج السياسي لأي مرشح رئاسي الدور الأهم في فوزه بالانتخابات إلا أنه في السباق للبيت الأبيض تلعب عناصر أخرى دوراً مهماً، وقد يكون موازياً في الأهمية للبرنامج السياسي، ولعل أهم هذه العناصر هو الانتماء العرقي للمرشح، ويبدو أن التقدم الذي حققته كامالا هاريس في السباق الرئاسي الأميركي مؤخراً جعل الجدل الدائر حول هويتها العرقية يعود إلى السطح مرة أخرى، فهل هي سوداء؟ هل هي هندية؟ من هي حقاً؟
ألقى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الأسبوع الماضي أثناء حديثه في مؤتمر الرابطة الوطنية للصحفيين السود في شيكاغو، تساؤلا عن هاريس حيث قال: «لقد كانت هاريس دائماً من الأصول الهندية وكانت تروج فقط للتراث الهندي (…) لم أكن أعرف أنها كانت سوداء وهي الآن تريد أن تُعرف باسم الأسود»، لكن لماذا يريد ترامب الآن أن يدفع بمسألة عرق هاريس إلى السطح؟
يستخدم السياسيون في الولايات المتحدة العرق كوسيلة لتشويه سمعة خصومهم، عندما كان الجمهوري وارن هاردينغ يترشح للرئاسة في عام 1920، نشر خصومه الديمقراطيون شائعات بأنه كان يخفي هويته السوداء الحقيقية، وطاردته الشائعات لبقية حياته، وقد أظهر اختبار الحمض النووي لأقاربه لاحقاً أن هاردينغ لم يكن لديه أصل إفريقي واضح.
هناك قانون في أميركا ينص على أن «أي شخص من أي أصول إفريقية هو من السود»، ما يعني أن أي شخص يحمل ولو جيناً واحداً إفريقياً يعتبر أسود، لكن المشكلة هنا تكمن في محاولة تحديد من يستحق أن يكون أسود ومن لا يستحق وخاصة أن هناك العديد من الطرق لتكون أسود في أميركا، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى العبودية، وهاريس من جانبها الجامايكي تنحدر من خليط جيني وهو أيضاً نتاج لإرث العبودية في تلك الجزيرة.
بالنسبة لمعظم التاريخ الأميركي، لم يكن «المختلط» خياراً، بفضل قاعدة القطرة الواحدة، إذا كان لديك أي أصل إفريقي، حتى لو كان لديك شعر أشقر وعيون زرق وبشرة بيضاء، فهذا يجعلك أسود بشكل قانوني في النظام الطبقي العنصري في أميركا، وخاضعاً لوحشية العبودية وقوانين جيم كرو، وجميع الإهانات الأخرى للمواطنة من الدرجة الثانية، وبعبارة أخرى، في أميركا تم تعريف البياض على أنه غياب السواد، لكن السواد لم يتم تعريفه أبداً بغياب البياض.
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ونائب الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، أبناء المهاجرين، لم يأتوا مثقلين بتاريخ العبودية والعنصرية في أميركا، وواجه أوباما اتهامات شهيرة بقيادة المرشح الجمهوري ترامب، وشكك النقاد من اليمين في عرق هاريس وجنسها، وهناك أناس يصرون على أن أوباما وهاريس ليسا من السود حقاً، وأحياناً تأتي هذه الاتهامات من أشخاص سود آخرين، فقال الجمهوري بن كارسون، وهو أميركي من أصل إفريقي، عن أوباما: «لقد نشأ أبيض اللون»، وفي الوقت نفسه ينفي المنتقدون، مثل جيسون ويتلوك من قناة «بليز»، بشدة أن تكون هاريس ابنة لأم هندية وأب من أصل إفريقي جامايكي سوداء اللون، فهي ليست جزءاً من الأشخاص الذين كان أسلافهم عبيداً، وهذا أشبه باحتيال انتخابي.
وسواء تم اتهام هاريس وأوباما لكونهما من ذوي البشرة السوداء، أو لعدم كونهما من ذوي البشرة السوداء على الإطلاق، فإن النقطة السياسية هي نفسها: تشويه سمعتها، لأن التشكيك في الهوية العرقية للزعيم السياسي هي وسيلة لتصويرها على أنها غير أصلية، وبالتالي لا يمكن الوثوق بها.
كلمة «أسود» في أميركا عبارة عن مظلة واسعة جداً تضم مجموعات من الناس متحدين في لون البشرة وملمس الشعر وتجارب الحياة ويشكلون قوة سياسية قوية، وهذا ما قد يفسر شعور ترامب بالحاجة إلى تشويه سمعة هوية هاريس.
كاتبة سورية مقيمة في الولايات المتحدة