«خاسر- خاسر»
| منذر عيد
في انتظار رد إيران والمقاومة في لبنان المرتقب على جريمة الكيان الإسرائيلي باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والقيادي في حزب اللـه فؤاد شكر، ثمة العديد من الأسئلة تندرج في خانة البديهيات: هل سيرد محور المقاومة، كيف، متى، أين، ومن، ثم ماذا؟
وفي انتظار هذا الرد على أسئلة يعي الجميع جيداً حقيقة الأجوبة عنها، بل إن رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو هو أدرى العارفين بها، ليقينه المطلق بأن ما أقدم عليه من خطيئة في طهران وضاحية بيروت الجنوبية ستقابل برد، ورد غير طبيعي لتجاوزه خطوط طهران وحزب اللـه الحمر، ليبقى السؤال الأساس لماذا أقدم نتنياهو على فعل إثارة حفيظة طهران وحزب الله؟
من خلال جملة المعطيات الميدانية على جبهات الحرب في غزة ولبنان، فإن الهدف الرئيس لنتنياهو من وراء القيام باغتيال هنية وشكر، هو جر المنطقة إلى حرب أوسع، حرب يرى فيها رئيس وزراء الكيان رافعة له، وسلم نجاة من مستقبل أسود يستقبله في حال ذهبت الأمور إلى إبرام صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية ووقف الحرب على غزة، الأمر الذي سوف يشكل اعترافاً علنياً من الكيان بهزيمة ساحقة، ونصراً تاريخياً للمقاومة، مع عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق إنجاز واضح وصريح ضد حماس أو باقي فصائل المقاومة تمكّن نتنياهو من الذهاب إلى صفقة، وتقديم «نصر» إلى جمهور الكيان الغاضب من بقاء أسراهم في يد المقاومة.
الفرضية المؤكدة لتعمد نتنياهو جر المنطقة إلى حرب واسعة، وتوريط الولايات المتحدة الأميركية في حرب واسعة مع إيران، كانت محط تساؤل الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس في صحيفة «هآرتس» قبل أيام بقوله: «يتعين على المرء أن يتساءل لماذا اختار نتنياهو اغتيال هنية في طهران في خضم محادثات دقيقة؛ هل فقط لأنه كان قادراً على القيام بذلك، أم إن إسرائيل تعمّدت إثارة هذا التصعيد على أمل أن يؤدي اندلاع صراع مع إيران إلى جر الولايات المتحدة إلى الحرب، وبالتالي إبعاد نتنياهو أكثر عن كارثة السابع من تشرين الأول الماضي، التي لم يُحاسب عليها حتى الآن»؟
السؤال المطروح أيضاً عقب عمليتي الاغتيال، هل حصل نتنياهو على ضوء أخضر أميركي للقيام بذلك، وهل قام خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن باطلاع الإدارة الأميركية على ما ينوي القيام به من اغتيال يستهدف هنية أو شن عدوان على الضاحية؟
وبعيداً عن الفرضيات التي تدور حول موافقة واشنطن على ذلك من عدمه، فإن من المؤكد أن نتنياهو قرأ الواقع السياسي الممزق في أميركا، واستغل قضية الانتخابات الرئاسية المقبلة هناك، وتلمس دون أدنى شك سعي وسباق الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى كسب ود اللوبي الصهيوني، من خلال قيام أعضاء الكونغرس بالتصفيق له خلال الكلمة التي ألقاها داخل المجلس 81 مرة بعد أن ذكر اسم إيران 30 مرة، وعليه أدرك أن قيامه بأي فعل مهما كان سيقابل بدعم أميركي دون أن يعمل مسؤولو الحزبين على دراسة عواقب دعمهما الأعمى للكيان، الأمر الذي استشفه الرئيس الأميركي جو بايدن، ودفعه للقول في مقابلة مع مجلة «تايم»، إن «كل الأسباب تدفع إلى استنتاج أن نتنياهو يطيل أمد الحرب من أجل الحفاظ على بقائه في منصبه».
لقد سعى نتنياهو من خلال عمليتي اغتيال هنية وشكر إلى إعادة هيبة الجيش الإسرائيلي التي انهارت على تخوم غزة والجبهة مع حزب اللـه شمالاً، دون أي حساب لنتائج اليوم التالي من عملية الاغتيال، مع التأكيد أنه يدرك تماماً أنه ملاق رداً قاسياً ومؤلماً، ليقينه أن أي نتيجة أو رد لن يكون بحجم الخسارة والألم اللذين سوف يصيبانه نتيجة الموافقة على صفقة تبادل أو وقف العدوان على غزة، حيث إن ما يقرب من سبعة عشر عاماً قضاها في السلطة، كانت كفيلة بأن يتعلم أبجديات السياسة، وطبيعة المقاومة، ولذلك من المؤكد أن نتنياهو ذهب في ارتكاب جريمتي الاغتيال على مبدأ «خاسر- خاسر».
إذا كان نتنياهو يعمل على قاعدة «خاسر- خاسر»، فهل يتمكن من جر قدم الولايات المتحدة الأميركية إلى دوامة حرب غير واضحة المعالم والأبعاد والنتائج؟ وخاصة أن الحزب الديمقراطي يتجنب أي هزيمة أو خسارة خارجية قبيل بدء الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأن أي خسارة سواء أكانت عسكرية أم اقتصادية ستضعفه في مواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إضافة إلى أن واشنطن تدرك تماماً أن خوض غمار أي حرب ليست هي المبادرة فيها، وإنما دفعت إليها ستؤدي إلى تراجع الهيمنة الأميركية في المنطقة.