وماذا بقي من جرائم لم ترتكبها إسرائيل؟!
| تحسين حلبي
في يوم الاثنين من التاسع من شهر تشرين الأول الماضي، أي بعد ثلاثة أيام على عملية الاقتحام الفلسطينية لحدود الكيان في عملية طوفان الأقصى، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآب غالانت أمام جميع الصحف الإسرائيلية ونقلته مجلة «أنتي وور الأميركية» في اليوم نفسه قائلاً: «إننا نقاتل حيوانات بشرية، وقررنا إحكام الحصار على القطاع ومنع وصول الغذاء والوقود والكهرباء وإغلاق جميع المعابر»، ولا أحد يشك أن هذا الإعلان يعد أمراً قتالياً لجيش الاحتلال الذي احتشد منه مئة ألف من الجنود بكامل عرباتهم ودباباتهم وطائراتهم لاحتلال القطاع في ذلك اليوم، ومنذ ذلك الوقت مرت عشرة أشهر وجيش الاحتلال يرتكب كل يوم عدداً من جرائم الحرب الوحشية أمام عدسات التلفزيونات والإذاعات ومواقع اليوتيوب في الموبايلات تنفيذاً لهذه التعليمات، وتشجع عدداً من المسؤولين ومن بينهم وزير في حكومة بنيامين نتنياهو فطالب قبل عدة أشهر باستخدام السلاح النووي الإسرائيلي لإبادة أكبر عدد من الفلسطينيين وتقصير زمن الحرب بعد أن رأى أن صمود الشعب الفلسطيني وبطولات المقاومة في الدفاع عن الشعب في قطاع غزة تلحق الهزيمة بجنوده، وفي يوم الاثنين من الخامس من شهر آب الجاري بعد عشرة أشهر على صمود الفلسطينيين واستمرار المقاومة، طالب وزير المالية الإسرائيلي باتسليئيل سموتريتش في مؤتمر صحفي عقده في إسرائيل ونشرت تصريحاته الصحف الإسرائيلية، بقتل 2 مليون فلسطيني في القطاع جوعاً بمنع الطعام عنهم قائلاً: «سيكون من العدالة والأخلاق أن تميت إسرائيل 2 مليون من الفلسطينيين جوعاً في قطاع غزة حتى إذا كان ذلك غير ممكن بسبب الضغط الدولي».
وبقيت حكومات العالم التي تتحكم بالنظام العالمي ومؤسسات الأمم المتحدة صامتة وكأنها تقول لسموتريتش إنها لن تستخدم الضغط الدولي الذي يبدي خشيته منه في إعاقة هذه العملية الأشد وحشية في تاريخ الإنسان، ولذلك يضيف في مؤتمره الصحفي: «إن إنسانية مقابل إنسانية مبررة من ناحية أخلاقية ولكن ما الذي نفعله؟ نحن نعيش اليوم في واقع معين ونحن نحتاج إلى شرعية دولية في هذه الحرب» والمقصود شرعية قتل مليونين جوعاً.
وفي الحقيقة لم يكن من المستغرب أن يجرؤ وزير إسرائيلي على نقل هذا الطلب إلى حكومات الغرب التي تهيمن على نظام المجتمع الدولي، وهو يعرف أن هذه الحكومات امتنعت عن دعم قرارات محكمة الجنايات الدولية التي أدانت فيها إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة شعب، ولهذا السبب أصبح الطريق مفتوحاً لحكومة نتنياهو أن تلجأ إلى القيام بكل أشكال إبادة شعب ومن بينها قتل الشعب الفلسطيني جوعاً فوق وطنه في قطاع غزة.
لكن تطورات الصمود المذهل للشعب الفلسطيني في القطاع وبطولات المقاومة منه ومن جبهة جنوب لبنان، بدأت تثبت أن هذا الكيان الإسرائيلي لم يعد تلك القوة الإقليمية التي تعتمد عليها الحكومات الغربية الاستعمارية وفي مقدمها الولايات المتحدة، فأصبحت هزيمة الكيان تعد هزيمة نكراء لجميع هذه القوى الإمبريالية ولنظامها العالمي وأصبح الانتصار على هذا الكيان الاستيطاني العنصري هو الذي سيغير هذا النظام الاستعماري، ليحل محله نظام متوازن متعدد الأقطاب ولمصلحة كل الشعوب التي اضطهدها نظام الولايات المتحدة العالمي الأحادي، فقد فرضت قضية فلسطين العادلة وحق الشعب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال الاستيطاني الغربي الذي أحضر الأوروبيين اليهود إلى فلسطين خلال قرن من الزمان، جدول عمل لن تنتهي مواضيعه إلا بالتخلص من الاحتلال واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه بعد ظلم فرضته الحكومات الغربية عليه طوال مئة عام، وبالمقابل الكل يرى أن شعوب العالم حتى في داخل الجمهور الأميركي تساند قضية الشعب الفلسطيني وتندد بالنظام الاحتلالي والعنصري الذي فرضه الغرب، وهذا ما أثبتته الشعوب التي تحركت في عواصم بلادها للتنديد بجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل طوال عشرة أشهر بدعم وإسناد سياسي وعسكري قل نظيره لكيان خارج عن القانون، وانهارت قدراته أمام مقاومة الشعب الفلسطيني وفصائله وأمام إسناد جبهة المقاومة اللبنانية من جنوب لبنان ومن سورية وإيران واليمن والعراق.