أبعاد زيارة وفد روسيا الاتحادية إلى طهران
| محمد نادر العمري
زيارة وفد روسي رفيع المستوى لطهران بقيادة سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، يحمل أكثر من دلالة في هذا التوقيت السياسي الذي يشهد تدحرجاً دراماتيكياً على مستوى المنطقة من حيث توسع كتلة نيران المواجهة والاشتباك واتساع رقعتها، فقد تتضمن زيارة هذا الوفد التوجه نحو لعب دور الوساطة الروسية لتخفيف درجة الاحتقان على مستوى المنطقة مقابل حصول إيران ومحور المقاومة على ضمانات لوقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار الاقتصادي عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وانسحاب قريب لقوات الاحتلال الأميركية من المنطقة، واحتمالية عودة التفاوض الغربي مع طهران حول الملف النووي واتفاق خمسة زائد واحد، أو قد تحمل هذه الزيارة في طياتها في تفسير آخر التنسيق المشترك بين القوتين في حال تصاعد وتيرة الصراع على مستوى المنطقة، نتيجة الحاجة والضرورة التي تفرضها المصالح المشتركة والمواقف المتقاربة وتداخل الحضور والتوزع العسكري، ولاسيما داخل الجغرافية السورية.
في كلتا الحالتين فإن مؤشرات هذه الزيارة بعد جملة الضغوط والعروض الدبلوماسية التي قدمت لطهران خلال الأيام السابقة، قد تشكل الزيارة الأخيرة قبل الرد الإيراني المتوقع ضد الكيان الإسرائيلي، بعد خيبة الأمل التي عاد بها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إثر زيارة هي الأولى من نوعها لوزير خارجية أردني للعاصمة الإيرانية طهران منذ قرابة عشرين عاماً.
التنسيق الروسي- الإيراني يعد من الأمور المهمة على مستوى النطاق الإقليمي وخاصة في إطاره العسكري، وذلك لعدة أمور:
– مكانة روسيا الاتحادية على مستوى النسق الدولي والحاجة الإيرانية لضمان اصطفاف «الفيتو» الروسي لمصلحتها في حال سارعت الدول الغربية لتبني قرار داخل مجلس الأمن لإدانة إيران أو فرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها، في حال تمسكها بموقفها من خلال الرد القاسي على الكيان، والمساعي الغربية لإلقاء اللوم على طهران في هذا التصعيد المحتمل.
– من الممكن أن تساعد روسيا الجانب الإيراني في المعلومات الاستخباراتية وتزويدها بصور الأقمار الصناعية في حال استغلت تل أبيب الرد الإيراني، وجرت المنطقة والغرب لحرب ضد إيران، في ظل الحشد العسكري الكبير في البحر المتوسط، وإعادة تموضع القوات الأميركية والبريطانية في المنطقة وزيادة عدد بطاريات الصواريخ ضمن القواعد العسكرية الغربية الموزعة على نطاق الإقليم.
– الحضور الروسي- الإيراني المشترك في سورية، والخشية الروسية من استغلال الرد الإيراني من واشنطن لإعادة تموضعها في المنطقة ولاسيما العراق وسورية، وإعادة استثمار الإرهاب مجدداً والكيانات العسكرية التي تدعمها واشنطن لاستهداف حلفاء إيران في المنطقة وخاصة الجيشين السوري والعراقي، ما سيدفع القوات الروسية للتدخل، وهو ما يعني توسع رقعة الصراع الروسي- الغربي من أوكرانيا باتجاه شرق المتوسط.
– قد يكون لدى الوفد الروسي معطيات ومعلومات عن نية الغرب وإسرائيل والأطلسي في حال قيام الحرس الثوري بالرد من داخل الأراضي الإيرانية على اغتيال رئيس الجناح السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية أو قيام حزب اللـه بالثأر لدماء الشهيد فؤاد شكر من جنوب لبنان، لشن عدوان واسع على الأراضي الإيرانية، ولاسيما أن روسيا هي أولى الدول التي كانت قد حذرت من احتمال التصعيد بالمنطقة في أثناء لقاء العمل الذي جمع الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين في موسكو 25 من شهر تموز الماضي.
الوضع في المنطقة أخطر بكثير مما يعتقده الكثيرون، فالجغرافيا السياسية والمواقف المتناقضة والمصالح المتناحرة، تجعلها قنبلة موقوتة، لذلك روسيا التي تخوض معركة حماية أمنها القومي في أوكرانيا، لن تضغط على إيران لوقف الرد أو تحجيمه ضمن محددات استعادة قواعد الاشتباك، ولكن في الوقت ذاته لا تريد منح الإسرائيلي فرصة استثمار هذا الرد للعبث في الخريطة الإقليمية عبر جر المنطقة والأطلسي لتصعيد غير مسبوق، وربما العودة لخطاب بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي فجر 24 من الشهر الماضي، ودعوته لإنشاء تحالف غربي وإقليمي جديد ضد إيران هو خير دليل على ذلك.
إلا أننا هنا يجب التوقف قليلاً، ونعود بالذاكرة إلى التاريخ القريب، ولاسيما لما شهده منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي الذي عقد في تموز الماضي، من تصريحات روسية لافتة، وفي مقدمتها تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال: «إن روسيا لم تزود حتى الآن خصوم الغرب بأسلحة بعيدة المدى لكنها تحتفظ بحقها في القيام بذلك»، في رده على دعوة بعض القوى الغربية لرفع القيود كافة أمام تزويد أوكرانيا بأسلحة نوعية لاستهداف الأمن القومي الروسي.
لذلك يبدو أن التهديد الروسي هذا للغرب عموماً وللولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، والمتمثل بتسليم دول متخاصمة مع الغرب لأسلحة روسية نوعية، رداً على تسليح واشنطن لأوكرانيا بأسلحة متطورة ونوعية بما فيها F16، بدأ يترجم وينتقل من إطار التهديدات والوعيدات اللفظية للواقع التنفيذي.
ففي الوقت الذي كان به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يعلن استلام قواته لعشر طائرات F16، واستعراضها في الأجواء الأوكرانية ضمن عرض عسكري مشيراً إلى أنه تم استخدامها بالفعل دون تحديد مكان وزمن الاستخدام، كان الوفد الروسي برئاسة وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو يزور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويبحث مع مسؤوليها مسارات الرد على جريمة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس الجناح السياسي لحركة حماس التي نفذها الكيان الإسرائيلي في طهران في 31 تموز من الشهر المنصرم.
ولاستكمال الصورة أكثر، فإن زيارة الوفد الروسي بالتزامن مع زيارة قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي مايكل كوريلا، للكيان الإسرائيلي كجزء من جولة إقليمية في إطار الاستعداد لهجوم إيراني محتمل على إسرائيل، لم تكن من قبيل المصادفة أيضاً، بل تأتي في سياق القراءة الروسية الساعية لعدم منح الغرب أي فرصة لاستثمار تطورات التصعيد الحاصل في المنطقة، لتحقيق مصالحهم التوسعية، من خلال محاولة استهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وربما بعض دول المنطقة بما في ذلك سورية تحت ذريعة الوجود الإيراني بها، والتخطيط لشن عمليات ضد القوات الأميركية فيها.
هناك نقطة مهمة أيضاً في هذه الزيارة، ويبدو أن وسائل الإعلام الإسرائيلية بدأت تتخوف من حصولها، وتتساءل عن مدى صحتها، ولاسيما تلك التي تحدثت عن مسارعة موسكو لتزويد طهران بعدد من أنواع الأسلحة قبيل زيارة شويغو بساعات، كانت إيران قد طلبتها سابقاً من روسيا وفي مقدمتها مجموعة أنظمة للرادارات الإلكترونية، تستخدم بهدف التشويش والحرب السيبرانية، ومنظومة الدفاع الجوي إس 400، في ظل عدم توافر معلومات عن مدى إنجاز صفقة طائرات سوخوي 57 وميغ 27 المتقدمة، والتي تتخوف بعض وسائل الإعلام من حصول إيران عليها، بما يجبر حكومة بنيامين نتنياهو ومن خلفها الإدارة الأميركية والحلف الأطلسي للتفكير بشكل جدي بسيناريو رد جديد من إيران، يتمثل في استخدام سلاح الجو الروسي آلية للرد والثأر والانتقام في تكريس قواعد الاشتباك القائمة على توازن الرعب.
كاتب سوري