شؤون محلية

العنب المنهوب والمستهلك المحروم

| ميشيل خياط

ذكرني «فيسبوك» كعادته بفكرة كتبتها منذ عدة سنوات قلت فيها إن مؤسسات التدخل الإيجابي هي الحل لفوضى الأسواق، وهي السبيل إلى أسعار موثوقة تحمي المنتجين وتصون حقوق المستهلكين، إذ توفر لهم سلعاً ومنتجات بأسعار من دون ابتزاز واحتكار وأسعار فاحشة.

ومن المؤسف أن هذه الذكرى لم تنفعني بل صبت على ما كتبت جام غضب كثر، قالوا إن تلك المؤسسات تبيع حالياً بأسعار أغلى من الأسواق، سواء الخضار والفواكه أم السلع المختلفة.

حزنت لأنني كنت واحداً ممن دعوا في منتصف السبعينيات إلى إحداث الشركة العامة للخضار والفواكه، وأنجزت تحقيقات صحفية عديدة تقصيت من خلالها الغبن الذي يتعرض له الفلاحون إذ يبيعون تفاحهم -على سبيل المثال- بنصف ليرة حسب أسعار ذاك الزمان، في حين أنه يباع على العربات بليرة وفي دكاكين «الخضرجية» بليرة ونصف الليرة.!

ولكم أبهجني صدور مرسوم إحداث الشركة العامة للخضار والفواكه في عام 1977 وقد نص على أن دورها الأساسي أن تكون جسراً بين حقول المنتجين وأيدي المستهلكين، بعيداً عن أي أرباح طفيلية.

وخلال ما يقرب من نصف قرن دُمجت مع عدة مؤسسات تموينية وباتت تعرف اليوم بالسورية للتجارة وهي تملك أكثر من ألف من الصالات التي تبيع كل شيء حالياً.

وباتت أسيرة المستثمر!

ومن الأمثلة الصارخة على فقدانها لدورها حسب مرسوم أحداثها، قصة العنب هذا العام.

فمنذ بداية الموسم بِيع العنب في تلك الصالات بثلاثين ألف ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، وما يزال سعره يتراوح بين 20 و15 ألف ليرة سورية، في تلك الصالات حتى الآن.

في 4 آب الجاري نشرت جريدة «الوطن» تحقيقاً أضاء حقائق مهمة أثبتت أن الفلاح منهوب وأن المستهلك محروم، إذ جاء فيه أن مزارعي العنب في السويداء يبيعون الكيلو غرام الواحد من عنبهم الممتاز في حقولهم بأربعة آلاف ليرة للكيلو غرام الواحد…! أي بأقل من تكلفة الإنتاج وأدنى من السعر التأشيري المقترح وهو 6100 ليرة سورية.

إنها لفاجعة كبرى في الحياة الإنتاجية لعدد كبير جداً من منتجي الخضار والفواكه، من العنب إلى البندورة ومن التفاح إلى البطاطا، هم يخسرون ويهاجرون إلى مهن أخرى، وتتصحر أراضيهم، ويرزح المستهلكون تحت وطأة أسعار مرتفعة تحرمهم من استهلاك تلك المنتجات أو ترهقهم مالياً.

إن غياب الحد الأدنى لأسعار الخضار والفواكه هو سبب هذه المشكلة الكبيرة في حياتنا الاقتصادية، ويتبدى ذلك بحدة مع الحمضيات لوجود إنتاج كبير يصل إلى المليون طن أحياناً، أو مع الزيت والزيتون.

لم ينأ عن هذا المأزق سوى منتجي القمح حالياً، فلقد ورثوا نهجاً حكيماً رأى النور في الماضي القريب، عندما أخذت الدولة على عاتقها تسويق القمح بسعر محدد يساوي تكاليف الإنتاج مع هامش ربح، وكان منتجو القمح قبل هذه الخطوة رمزاً لشظف العيش إذ كان القمح يباع بالقروش، وفجأة سعرته الدولة بخمس ليرات للكيلو غرام الواحد آنذاك، ما ساهم جدياً في اجتراح ما بات يعرف بمأثرة القمح السورية «قبل ابتلاء سورية بالخراب على يد الإرهاب».

وارتفع سعر الحد الأدنى للقمح حتى وصل هذا العام إلى 5500 ليرة سورية وهذا في مصلحة مئات آلاف منتجي القمح السوري.

إنها منجزاتنا وحري بنا أن نستفيد منها وأن نستلهمها في سياق السعي إلى حل لصعابنا المعيشية، أرى أن نسعى إلى تبني فكرة اعتماد حد أدنى لأسعار الخضار والفواكه لا يمكن التراجع عنه تحت ضغط كثرة العرض أولاً، وأن نتفق على أنه حتى لو لم تكن مؤسسات التدخل الإيجابي موجودة فإن علينا إيجادها لتلغي الأرباح الطفيلية وتبيع بسعر موثوق ورحيم، بعيداً عن الابتزاز والطمع.

مؤسسات تحمي المنتجين والمستهلكين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن