الكيان بين هزيمة أهدافه وضرورة تعرية جرائمه على مر الأجيال
| تحسين حلبي
حين تتوقف الحرب بين طرفين أو أطراف من دون الحسم النهائي الميداني العسكري وتهدأ المعارك بموجب اتفاق مؤقت أو مرحلي، من الطبيعي حينئذ أن يحاول كل طرف استغلال الظرف لتحسين الشروط التي تتناسب مع أهدافه عند استئناف المعارك أو عدم استئنافها، إذا انتقل الطرفان المتقاتلان لما يسمى بمراحل أخرى يعول عليها كل طرف بتحقيق معظم أهدافه أو جزء منها، وفي كل هذه المراحل من الطبيعي أيضاً أن يحافظ كل طرف على مظاهر العداء والردع بانتظار ما سيحققه من زيادة في كفة ميزان القوى الشامل وليس الميداني فحسب.
ولا شك أن ساحة الحرب وميادينها ضد الكيان الإسرائيلي اتخذت منذ عام 1948 ونكبة الشعب الفلسطيني واغتصاب بريطانيا وحركتها الصهيونية لفلسطين ونشر الأوروبيين اليهود فيها ككيان استيطاني، حملت أشكالاً ومظاهر غير مسبوقة في عدد ميادينها وساحات تأثيرها وخاصة في ساحة المقاومة المسلحة على الأرض، وفي الساحة الإعلامية في العالم كله، فقد حاربت دول الاستعمار في القرن الماضي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية أو العربية المسلحة وغير المسلحة ضد الكيان، وشنت حروباً إعلامية لترسيخ صورة إسرائيل ككيان شرعي ومحاصرة كل ما يتعلق بهوية الضحية الفلسطينية وحقوقها باستعادة وطنها، واتهمت كل من يرفض ويعترض على اغتصاب فلسطين والتنكر لحقوق شعبها الثابتة والشرعية بالإرهاب، وبهذه الطريقة توج المستعمرون انتصارهم الميداني في عام 1948 بحملات تضليل منهجية حولت معظم حكومات العالم ونسبة من الرأي العام، إلى مدافع عن الكيان وإلى مندد بكل من يشكك بوجوده وباغتصابه لفلسطين، ولا تزال القوانين التي فرضتها حكومات أوروبا والولايات المتحدة على شعوبها سارية المفعول حتى الآن لمنع نشر أي عبارات تشكك بشرعية الكيان وسردياته ومعاقبة من ينشرها ومن يكتبها، وكان أول ما فرضته هذه الحكومات بعد عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، هو منع نشر أي كتاب أو بحث أو مقال أو رأي يشكك بصدقية مزاعم الحركة الصهيونية بمقتل ستة ملايين يهودي على يد النازية في الحرب العالمية الثانية، وعاقبت بعض الدول عدداً من مواطنيها بينهم يهود، نشروا أبحاثاً تشكك بصحة هذا الرقم، وفي ذلك الوقت كانت الدول الاستعمارية ترغب في تسهيل عملية تضليل شعوبها وتصوير المستوطنين اليهود كضحايا للنازية، ويستحقون التعاطف معهم لإنشاء وطن لهم في فلسطين، ودفع الرأي العام إلى تأييد كل ما سيقوم به الاستعمار لاغتصاب فلسطين وإرهاب شعبها وإبعاده عام 1948 عن وطنه، ولذلك تمسكت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة منذ عام 1948 بوصف كل فلسطيني يعارض الاحتلال ويقاومه بالإرهاب، بل إنها لم تنزع عنه هذه الصفة بالشكل التام بل كانت ترفض أن تصفه بالضحية حتى حين يقتل على يد جيش الاحتلال، ولم يتغير موقفها هذا بعد اتفاقات أوسلو واعتراف منظمة التحرير بإسرائيل على حدود عام 1967 والتنازل عن المقاومة المسلحة.
ويبدو في يومنا هذا وخاصة بعد عملية طوفان الأقصى المستمرة في قطاع غزة وصمود المقاومة في ميادينها القتالية، أننا أصبحنا عند أي احتمال لوقف مقبل للنار أمام ساحة حرب في ميادين إعلامية نعرض فيها بكل الوسائل والأرقام والحقائق أمام كل شعوب العالم ما ارتكبه هذا الكيان من جرائم حرب أدين بها من منظمات قانونية دولية ودول كثيرة، والكل يعرف في هذا العالم أن ما سوف يعرض في كل أنحاء العالم كانت كل الشعوب والحكومات قد رأته يوما تلو آخر طوال عشرة أشهر، لكنه هذه المرة سيراه الجميع دفعة واحدة بأرقامه الإجمالية وأسماء ضحاياه وصورهم وبالمساحات التي دمرها لكل بيت في القطاع ولكل قرية ومدينة وبشكل غير مسبوق في تاريخ كل ما ارتكب من جرائم حرب، بل أشد قسوة من إلقاء قنبلة نووية على القطاع، وسيبقى أي انتصار ميداني راهن ومقبل أو صمود بطولي عظيم للشعب الفلسطيني ناقصاً من دون الانتصار في هذه المهمة المقدسة وضرورة خوضها على مستوى العالم كله وفاء للضحايا من الأطفال والنساء والشهداء والأسرى فكل واحد منهم حياة وروح ماض وحاضر ومستقبل، وكل مسجد وكنيسة ومدرسة وبيت أبيد، منارة سيضيء بها الشعب الحقيقة لهذا العالم الذي أيدت معظم حكوماته جرائم الحرب وصمتت أمامها في كل يوم.