شرق سورية في عين العاصفة
| د. مازن جبور
الشرق السوري بوضعه الراهن، يمثل عيناً من عيون العاصفة التي قد تندلع بين لحظة وأخرى في الإقليم، لذلك أن تنطلق فيه أحداث عسكرية من قبيل ما يحدث الآن ليس بالأمر المستغرب، لكن أن تمعن ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد» في الحصار والخناق على السوريين الموجودين في المنطقة، فهو المستغرب والمستنكر، وهو الدلالة على أجنداتها الخارجية وحقيقتها الانفصالية.
ترزح أجزاء واسعة من الشرق السوري تحت سيطرة الاحتلال الأميركي وأدواته سواء ميليشيا «قسد» أو غيرها من التنظيمات الإرهابية المسلحة، التي تعمل تحت حماية واشنطن وبإمرتها، وتبدو الولايات المتحدة الأميركية، الداعم الأول لكيان الاحتلال الإسرائيلي، أبرز المتأهبين والمستنفرين عسكرياً وسياسياً في المنطقة، فبعد جريمتي الاغتيال اللتين قام بهما كيان الاحتلال الإسرائيلي في كل من بيروت وطهران بساعات قليلة، وضعت القيادة العسكرية الأميركية الوسطى قواتها العسكرية الموجودة في سورية في حالة الاستنفار الكامل، وذلك تحسباً لأي هجمات تطولها تزامناً مع الرد أو كجزء منه، وكذلك لأجل الدفاع عن الكيان الصهيوني أثناء رد محور المقاومة المحتمل في أي لحظة، وما قد ينجم عنه من مواجهة شاملة، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الشرق السوري في عين العاصفة، وذلك لما يحتويه من قواعد للاحتلال الأميركي وأدواته من التنظيمات الإرهابية المسلحة، على اعتباره واحداً من الميادين المهمة جداً في أي مواجهة إقليمية مرتقبة.
في خضم الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط، وعلى وقع قرع طبول الحرب، وبينما كانت الولايات المتحدة الأميركية تحتاط من هجمات يرجح أن تشنها المقاومة في العراق وسورية على قواعدها في المنطقة الممتدة من التنف إلى محافظتي الحسكة ودير الزور، حدث ما يبدو أنه كان مفاجئاً لواشنطن، فقيادة قواتها الاحتلالية في الشرق السوري يبدو أنها لم تأخذ بالحسبان احتمال شن هجمات متزامنة من قبل «قوات العشائر العربية» على عدد من محاور الاشتباك مع «قسد»، والتي أسفرت عن تحرير عدد من القرى والبلدات في تلك المحاور، وهذا الأمر سيضع واشنطن أمام تحديات جديدة في المنطقة في حال وقوع معركة كبرى قادمة، ما سيساهم في تشتيتها وبعثرة أوراقها في الشرق السوري.
يمكن القول إن كل ما يحدث اليوم هو من إفرازات حدث طوفان الأقصى، على الرغم من أن جذور المشكلة في الشرق السوري هي أبعد من ذلك، ومردها أن الولايات المتحدة دخلت جزءاً من الأراضي السورية بطريقة غير شرعية، وأقامت عليها قواعد لقواتها الاحتلالية، والتي دعمت بدورها ميليشيات انفصالية حاولت تكريس أمر واقع سياسي واقتصادي واجتماعي وعسكري جديد في المنطقة يتماشى مع غاياتها الانفصالية، ومؤخراً مع إمعان الاحتلال الأميركي والإسرائيلي في جرائمه ضد شعوب المنطقة عموماً والفلسطينيين خصوصاً، قاد المنطقة وقواها المختلفة إلى حالة استقطاب حاد، وإلى رهانات كارثية، واليوم تراهن «قسد» وداعمتها واشنطن على حصار أهالي الحسكة ودير الزور وقطع المياه عنهم، لوقف العملية العسكرية التي شنتها «قوات العشائر العربية» ضدهم، وهذا الواقع السوري لا ينفك عن مستويات الصراع المحلية والإقليمية والدولية، وقد ينسحب على المستوى السوري إلى جنوب البلاد وشمال غربها.
أيا تكن النتائج الميدانية التي ستخرج عن المعارك الدائرة شرق سورية، فإن واقع المنطقة عموماً يشير إلى حجم الاحتقان والاستقطاب والاصطفاف، وقابلية الاشتعال، التي إذا ما حصلت حتماً ستغير في قواعد الاشتباك وفي معادلات القوة في المنطقة، إذ إن المراد من هجوم كهذا هو رفع مستوى الضغط على قوات الاحتلال الأميركي وحليفته إسرائيل وأدواتهم، بالتزامن مع الرد العسكري المرتقب لمحور المقاومة على جرائمهم، كذلك يرسل الهجوم برسائل إلى واشنطن تفيد بأن استمرار وجود قوات احتلالية في المنطقة مهدد، وأن لا خيار سوى الخروج من سورية والعراق، وهي رسائل ترسل إلى واشنطن باستمرار مع كل استهداف لقواعدها غير الشرعية على جانبي الحدود السورية- العراقية.
بناءً على ما سبق، لا يمكن النظر إلى المواجهات التي اندلعت مجدداً في شمال شرق سورية، إلا باعتبارها جزءاً من مواجهة إقليمية ودولية أوسع، وذلك بغض النظر عن جذورها العنصرية الناتجة عن ممارسات عدوانية تقوم بها ميليشيا «قسد» ضد العشائر العربية في المنطقة، ومن ثم فعلى واشنطن النظر بواقعية إلى وضع المنطقة، وأن لا حل للتهديدات على قواتها سوى بمغادرتها.
كاتب سوري