منظمة الظلم العالمية والحرب العالمية الرابعة
| السفير أنور عبد الهادي
يتبنَّى القانون الدولي، في أي نظامٍ عالَمي، مصالح الدوَل المنتصِرة الَّتي وضعتْهُ ليحكمَ العالَم بالقانون ومراعاة المصالح الدوليَّة، ولكن هذا النِّظام تحوَّل إلى تكريس للظُّلم العالَمي، وباتت الدوَل الرَّاعية له تتعمَّد المشاركةَ في تنفيذِ العدوان، كما هو الحال في قِطاع غزَّة منذُ السَّابع من تشرين الأول الماضي وحتَّى اليوم، فأصبحتْ هذه الدوَل أداةً طيِّعة في خدمة المشروع الصهيوني الَّذي تأسس منذُ عام 1897 في مؤتمر بازل من خلال المؤتمر الصهيوني الأول الَّذي قام على اغتصاب حقوق الشَّعب الفلسطيني.
الدوَل المنتصِرة في الحرب العالَميَّة الثَّانية الَّتي انتهتْ عام 1945 شكلت نظاماً عالَمياً جديداً أطلقت عليه اسم «الأُمم المُتَّحدة»، وللأسف فإن هذه الدوَل هي الَّتي تكرِّس الظُّلم العالَمي وغياب العدالة الدّوليَّة بشكلٍ سافِر، وأشعلتِ الحروب والاعتداء على الدوَل والشُّعوب، فكم من الحروب الَّتي خاضتها الولايات المُتَّحدة وما تبعَها من مآسٍ وآلام منذُ استخدام القنابل النوويَّة على ناغازاكي وهيروشيما باليابان، واحتلال الدوَل بالقوَّة العسكريَّة القاهرة بمُسوِّغات وافتراءات كاذبة تُقدَّم على منصَّة مجلس الأمن، ثمَّ تذهب منفردةً خارج نطاق ما يُسمَّى الشرعيَّة الدوليَّة، لِتشعلَ الحروب على الدوَل وفرض الأمر الواقع، فهل هذه هي العدالة؟! وهل بعد كُلِّ هذه الخطايا والانتهاكات والعبَث بالحياةِ الإنسانيَّة وقتلِ الأبرياء تنشدُ الولايات المُتَّحدة السَّلامة والنَّجاة لها وللعالَم؟!
عِندما تفشَلُ الأمم المُتَّحدة في حماية القانون الدّولي وحماية حقوق الإنسان، وعِندما تفشَل في حفظِ الأمن والسِّلم الدّوليَّيْنِ، وتعجز عن حماية الأبرياء والمَدَنيِّين، فمن المؤكَّد أن هذا النِّظام العالَمي لا يملك القدرة على توفير الحماية لِنَفْسِه من الانهيار، وباتَ فاقدًا القدرةَ على البقاءِ في حُكمِ العالَم، وهُنَا لا بُدَّ أن ينزلقَ العالَم لمواجهةٍ كُبرى، وحربٍ عالَميَّة رابعة تفرزُ نظاماً عالَميّاً جديداً، وقد باتَ ذلك وشيكاً في ظلِّ التَّداعيات الأمنية والقانونيَّة الخطيرة، وعدم قدرة الأمم المُتَّحدة على حماية ميثاقها.
وللأسفِ الشَّديد، فإن الدوَل المنتصِرة في الحرب العالَميَّة الثَّانية الَّتي أنشأت النِّظام العالَمي الرَّاهن، هي مَن تقومُ بتدميرِ هذه المنظومة العالَميَّة.
إن الدوَل الفاعلة في النِّظام العالَمي القائم، وعلى رأسها الولايات المُتَّحدة، تتحمَّل كاملَ المسؤوليَّة الدّوليَّة للعبَثِ بهذا النِّظام العالَمي، فهي الَّتي توفِّر الغطاءَ السياسي لجرائمِ الكيان الصهيوني المُجرِم، بل سانَدَتْهُ عسكريًّا في توسيع جرائمِه، وأسْهَمَتْ في غياب العدالة والقانون الدّولي، وامتهانِ الكرامة الإنسانية، وانتهاك حقوق الدوَل والشُّعوب، لاسيما في أبرز القضايا العالَميَّة، أي في القضيَّة الفلسطينيَّة؛ ممَّا ولَّد حالةً من عدمِ الثِّقة لدَى الدوَل والشُّعوب في تطبيقِ القانون الدّولي أكثر من أي وقتٍ مضَى.
إنَّ الأمم المُتَّحدة أصدرت قراراتِ وقفِ إطلاق النَّار في العدوان البَربريِّ الهمجيِّ الَّذي تجاوزَ عشرةَ أشهر على قِطاع غزَّة، لكنَّها لم تستطِعْ تفعيل قراراتها الَّتي صدَرَتْ عَبْرَ مجلسِ الأمن أو الجمعيَّة العامَّة أو عَبْرَ المحاكم الدّوليَّة الَّتي أنشأتها فتجاوزَ الأمر كُلَّ الحدودِ، ما أسْهَمَ في نسْفِ قواعد القانون الدّولي.
العالَمَ اليوم يُدفع دفعًا نَحْوَ المواجهة الَّتي أوشكت على الاشتعال، وكما هو معلوم فإن الحرب العالَميَّة الأولى اشتعلت بسببِ اغتيالِ وليِّ عهد النّمسا، والحرب العالَميَّة الثَّانية اشتعلتْ بعد غزو ألمانيا لبولندا، والحرب العالمية الثالثة عندما انهار الاتحاد السوفييتي والحرب العالَميَّة الرابعة قد بدأت بالفعلِ تطل برأسها عبر ما يسمى «الربيع العربي»، ومن ثم الحرب في أوكرانيا وحرب الإبادة على فلسطين، في غزة.
إن العالَم أصبح على صفيحٍ ساخنٍ، والاصطفاف العالَمي اليوم في محاور على أهبة الاستعداد للإطاحة بالمحور الآخر في حالةٍ عالَميَّة أخطر من الحرب الباردة، كما أن العدوان الهمجي على قِطاع غزَّة وتنفيذ سياسة الاغتيالات للقيادات السياسيَّة والعلميَّة والعسكريَّة، وانتهاك السِّيادة والكرامة للدوَل من دُونَ أي رادع أو إجراء تحقيق دولي، يدلِّل على غياب الأمان العالَمي، وهذا بحدِّ ذاته يكرِّس حالةَ الفشلِ الَّتي تكتنف المشهد العالَمي كُلَّه، وهي مؤشِّرات تدلُّ على انفلات العَقدِ العالَمي، وغياب الأُسُس والقواعد الَّتي تأسس عَلَيْها النِّظام العالَمي كُلّها وتُنذر بالخطر وكفيلة بإشعالِ الحربِ العالَميَّة الرابعة.
مدير عام دائرة العلاقات العربية لمنظمة التحرير الفلسطينية