النفط بين التوترات الجيوسياسية ومخاوف الركود الاقتصادي العالمي
| د. قحطان السيوفي
شهدت العقود الآجلة للنفط الخام تقلبات ملحوظة مؤخراً، حيث ارتفعت الأسعار بسبب تفاقم المخاوف من توسع العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً، ما دفع أسعار «برنت» و«غرب تكساس الوسيط» إلى الارتفاع بأكثر من دولارين للبرميل، وواصلت عقود النفط خسائرها حيث طغت المخاوف من ركود في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط، على مخاوف الإمدادات الناجمة عن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، أكبر منطقة منتجة للنفط في العالم.
كما دفعت المخاوف من الركود في الولايات المتحدة، المستثمرين إلى الإسراع بالتخلي عن الأصول الخطرة، مع المراهنة على خفض أسعار الفائدة السريع ليكون ضرورياً لإنقاذ النمو وفق توقعات المحللين الذين قالوا إن مخاوف الركود في الولايات المتحدة الناجمة عن تقرير الوظائف الضعيف لشهر تموز 2024 «تزيد من المخاوف».
من جانب آخر تستعد إسرائيل والولايات المتحدة لتصعيد خطير في عدوانهم المستمر قي المنطقة بعد أن تعهدت إيران وحلفاؤها في محور المقاومة بالرد على إسرائيل لمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران والقائد العسكري في «حزب الله» فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية في بيروت، وتلقت الأسعار دعما من المخاوف الجيوسياسية، وسط استمرار الحرب على غزة، بعد يوم من انتهاء مفاوضات في القاهرة من دون نتيجة، وذكر المختصون أن أسعار النفط الخام تلقت الدعم من الصراع المستمر في غزة، حيث تستمر مجازر الإبادة الجماعية.
وأظهر تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء أن إنتاج أوبك النفطي ارتفع في تموز2024 رغم تخفيضات الإنتاج التي تنفذها المجموعة.
بالمقابل تراجعت أسعار الذهب في تعاملات متقلبة مع تصفية المستثمرين مراكزهم، بالتزامن مع موجة بيع واسعة النطاق للأسهم، رغم أن المحللين قالوا إن جاذبية الذهب كملاذ آمن تظل قوية مع تصاعد المخاوف من الركود في الولايات المتحدة.
المحللون يرون أن تقلب الذهب يشير إلى مستوى الذعر الذي يجتاح أسواق الأسهم، وأظهرت بيانات نشرت مؤخراً ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 4.3 بالمئة، ما يشير إلى ضعف محتمل في سوق العمل وزيادة مخاطر الركود.
ويلاحظ أن المخاوف المتعلقة بالطلب هي التي تحرك المعنويات، ففي سوق النفط واصلت أسعار النفط انخفاضها في بداية الأسبوع الأول من آب 2024 مع انخفاض خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط إلى أدنى مستوياتهما منذ كانون الثاني، حيث كان انهيار أسعار النفط، الذي بدأ مؤخراً مدفوعاً بتصريحات أميركية جديدة، تعزز مخاوف من الركود بسبب تقرير الوظائف الضعيف لشهر تموز 2024.
ويقول مختصون ومحللون نفطيون إن الخام الأميركي واصل خسائره إلى أدنى مستوياتها في 6 أشهر الأخيرة وأشار المختصون إلى انخفاض أسعار النفط الخام بسبب تزايد المخاوف من الركود في الولايات المتحدة وقد تأثر هذا الانخفاض ببيانات سوق الوظائف الأميركية السلبية والانكماش الأكبر المتوقع في ضوء توقع زيادة وشيكة في إنتاج مجموعة أوبك+.
انعكس هبوط الأسهم العالمية السريع مؤخراً، على أسواق منطقة الشرق الأوسط، التي يقول خبراء ومحللون إنها عانت تأثيرات مضاعفة بفعل التوترات الجيوسياسية، في ظل توقعات بشن إيران هجمات ضد إسرائيل خلال ساعات أو أيام.
بيانات الوظائف الأميركية السلبية تسببت في حدوث تحول مفاجئ من سردية «الهبوط الناعم» للاقتصاد الأميركي إلى «الهبوط الحاد»، واحتمالية رفع أسعار الفائدة.
وامتد التراجع إلى أغلب أسواق الشرق الأوسط التي كانت قلقة من توسع نطاق الحرب، إذ انخفض مؤشر دبي بأكبر معدل يومي منذ أيار 2022 بنسبة 4.5 بالمئة، ومؤشر أبوظبي بنسبة 3.4 بالمئة، وأغلق المؤشر السعودي عند أدنى مستوى منذ منتصف كانون الثاني 2024.
دعم هذا الاتجاه، الأخطار المحتملة من تأثر الملاحة في مضيق هرمز، وهو ممر مائي حيوي لنقل النفط العالمي.
مثل هذه الخطوة قد تهدد نحو 15– 20 بالمئة من إمدادات النفط العالمية، مع محدودية خطوط الأنابيب البديلة، وتأتي مخاوف الطلب مع عودة المخاوف من زيادة المعروض من خارج أوبك إلى دائرة الضوء.
ونتيجة لذلك، تراجعت أسعار النفط بشكل حاد، ومن ناحية أخرى حافظت «أوبك+» على سياستها الإنتاجية، بما في ذلك خطط البدء في تخفيف بعض تخفيضات الإنتاج الطوعية ابتداء من تشرين أول 2023.
وعلى الرغم من التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، كانت الاضطرابات الفعلية في العرض ضئيلة، ما أبقى الأسعار غير متأثرة نسبياً.
ومع ذلك، تظل السوق متيقظة بشأن الاضطرابات المحتملة، وخاصة في ممرات شحن النفط الحيوية.
وفي ظل تباين المؤشرات الاقتصادية، وضعف الطلب العالمي، تبدو التوقعات قصيرة الأجل لأسعار النفط هبوطية، ومن المرجح أن تمارس مخاوف الطلب، من الصين والأسواق الآسيوية الأخرى، وإمكانية حدوث مزيد من التباطؤ الاقتصادي، ضغوطاً إضافية على أسعار النفط، لكن الصراع في الشرق الأوسط يظل عامل عدم يقين كبيراً يمكن أن يقلب الأمور رأساً على عقب بسرعة.
لكن في عالم أسواق النفط الذي لا يمكن التنبؤ به، من الحكمة دائماً أن نتوقع ما هو غير متوقع بين الأوضاع الجيوسياسية والركود الاقتصادي العالمي.
وزير وسفير سوري سابق