بعد «كان يا ما كان» و«الرجل الآلي» و«المليونير الصغير» … دراما الطفل باتت تفتقد الاهتمام والرعاية خلال السنوات الأخيرة
| وائل العدس
«آن أوان الحكاية، فلنستمع للكلام، للحكاية غاية، متعة وانسجام»، على لحن تلك الشارة جلس أطفال جيل الثمانينيات أمام التلفزيونات لمتابعة أشهر مسلسل سوري كان يعرض للأطفال، «كان يا ما كان»، مسحورين بمشاهد الخيال الدرامي، ومبهورين بالخدع التقنية التي تخللت العمل، على الرغم من أنه لم يعتمد على تقنيات معقدة وعالية الجودة، ورغم ذلك شكّلت الخدع نقلة نوعية في الدراما السورية الموجهة للأطفال، حيث استطاعت أن تؤمن بيئة خيالية بعيدة عن الواقع.
كما أنتج التلفزيون السوري مسلسل «الرجل الآلي» للأطفال، معتمداً على الخيال العلمي، وإدراج التكنولوجيا والاختراعات ضمن الحبكة الدرامية، حيث تدور قصّة المسلسل حول المخترع، «الدكتور عرفان» الذي يقوم باختراع رجل آلي وقلم سحري، ويسافر ليترك تلك الاختراعات بين يدي ابن أخيه «عمار» الذي يستغل تلك التكنولوجيا ليغش في الامتحانات المدرسية.
ومن المسلسلات التي حققت نجاحاً كبيراً مسلسل «المليونير الصغير» الذي قدّم باللغة العربية الفصحى حول طفل يقوم رجل غني بإعطائه ثروة كبيرة مقابل مساعدته له بعد تنكره بزي متسول. لكن يشترط عليه أن يصرف خلال شهر مليون ليرة سورية من دون أن يستفيد من هذا المال أحد غيره مهما كانت صلته به، حتى لو كانوا أفراد عائلته، وفي حال حصل ذلك، سيخسر الرهان والمبلغ كله، وفي خلال الأحداث يتعرض شقيقه الصغير لمشكلة يتطلب خروجه منها دفع مبلغ كبير، وهو ما يفعله ويختار التخلي عن المبلغ مقابل ضمان سلامة أخيه، ليتبين في النهاية أن القصة مجرد لعبة من أجل أن يفهم مفردات الحياة بشكل أعمق.
أما آخر المسلسلات الموجهة للأطفال فتم إنتاجه عام 2015، وهو مسلسل «زيت وزعتر»، وهو عمل هادف للأطفال يلقي الضوء على مشاكلهم في مراحل الدراسة الأولى وكيفية علاج هذه المشاكل وفق رؤيتهم ويعتبر من الأعمال التوجيهية الهادفة لبناء جيل سليم وسط الأزمة التي مرت بها سورية.
والحقيقة التي يجب أن نقر بها هي أن دراما الطفل في سورية باتت تفتقد الاهتمام والرعاية اللازمين خلال السنوات الأخيرة.
العملية التربوية
تسهم دراما الطفل بشكل كبير في صقل شخصية الأطفال واكتسابهم المهارات التي تتضمنها بعض الأعمال الدرامية، فضلاً عن اكتسابهم للقيم والمضامين التربوية كالصدق والأمانة واحترام الآخرين، لأن محتوى الأعمال الدرامية الموجهة للأطفال تضع باهتماماتها الأولية البحث عن الجودة من أجل أن تتحقق الأهداف التي تسعى إليها العملية التربوية سواء داخل الأسرة أم المؤسسات التعليمية ذات العلاقة بتنشئة الطفل.
لذلك على شركات الإنتاج إنجاز أعمال درامية تتناسب مع كل مرحلة من مراحل الطفولة ذات مضامين تربوية وفكرية وجمالية وسلوكية، الهدف منها تزويد الأطفال بالقيم التربوية والأخلاقية والفنية والجمالية، وذلك من خلال استعمال أسلوب التلقي المناسب لهم.
فالطفل يستطيع أن يتلقى الوسائل التعليمية كافة من خلال الخطاب الموجه له والذي يتنوع دائماً بين التسلية والمرح وبين التربية والتعليم، وتحمل هذه الأعمال في طياتها رسالة جمالية وفكرية وتعليمية.
تربية الطفل
تعتمد عملية تربية الطفل على الإحساس بالجمال وتذوقه في جميع مراحل النمو المختلفة وهي أمر في غاية الأهمية، فكل ما يبثه العمل الدرامي الموجه للطفل من قيم تربوية وجمالية تؤثر في التكوين الجمالي للطفل وتوقظ الإحساس بالجمال لديه وتؤدي إلى نوع من التكامل في السلوك الشخصي للطفل، وتخضع القيمة الجمالية لوظيفتها التربوية، لكونه يفجر في داخله كل طاقات الخير.
إن تنمية الإحساس بالجمال وتذوقه لدى الطفل لا يتم إلا من خلال تقديم الأعمال الدرامية الهادفة والمؤثرة في شخصية الطفل، بشرط أن تتوافر الفكرة وأن تكون واضحة تثير اهتمام الطفل ومشاعره، وكذلك أن يكون أسلوب تنفيذها بطريقة جاذبة فيها عناصر الإبهار، وأن تكون حوادثها في حدود المعقول والمألوف وأن تكون ضمن مخيلة الطفل ولكن بحذر ودراية لأن الطفل حساس وذكي، وأن تكون هناك أهداف وغايات نبيلة ومحترمة تصب ضمن الروافد الإنسانية التي تسهم في إعطاء المثل والقيم التربوية الرفيعة كما أنها تثير اهتمام الطفل وتجذب انتباهه وتشوقه وتقربه من واقع الحياة.
أهم التوصيات
المطلوب من وزارتي الإعلام والثقافة إعداد خطة محددة تحتوي على دراما الأطفال العالمية المطلوب تبسيطها وترجمتها وطبعها، وذلك لعرضها على أطفالنا حسب مستوى الأعمار الملائمة لها، حيث يتم إعدادها إعداداً جيداً يتفق وظروف مجتمعنا وقيمه وأهدافه ومبادئه المختلفة.
كما ينبغي أن يتم تحديد المرحلة العمرية التي يخاطبها كل عمل درامي موجه للطفل، حتى تتناسب تلك الدراما في أشكالها ومضامينها مع نمو هؤلاء الأطفال عقلياً ونفسياً واجتماعياً ولغوياً، لأنه من الصعب إعداد دراما تخاطب مراحل الطفولة بكل فتراتها، مع مراعاة تحقيق التوازن بين المراحل المختلفة عند تقديم دراما الأطفال.
وكذلك اهتمام دراما الطفل بالارتقاء بالمستوى اللغوي عند الأطفال، وذلك عن طريق تقديم دراما مكتوبة باللغة العربية الفصحى المبسطة مع تجنب الألفاظ غير المألوفة للأطفال، حتى نثري قاموس هؤلاء الأطفال اللغوي، وتجنب تقديم دراما للأطفال تكثر فيها مشاهد العنف أو القسوة أو المشاهد المفزعة، لأن هذا قد يسبب لهم أضراراً نفسية جسيمة.
وأيضاً ضرورة الاهتمام بتقديم دراما الطفل التي تقدم كل ما هو جديد من الاكتشافات العلمية والأفكار المستحدثة بطريقة سهلة ومبسطة لهؤلاء الأطفال في مراحلهم المختلفة، لأن هذا يسهم في تنوير الطفل وتثقيفه، ومراعاة تحقيق التوازن في تقديم القيم الإيجابية المرغوبة في المجالين الأخلاقي والاجتماعي، وتجنب القيم والسلوكيات غير المرغوبة بقدر الإمكان، كما ينبغي أن يتوافر في المضمون المقدم للأطفال قدر كبير من هذه القيم الأخلاقية، نظراً لأهميتها في غرس السلوكيـات الدينية عالية المستوى في نفوس هؤلاء الأطفال.
وأخيراً زيادة نسبة الموضوعات التي تشبع رغبة حاجة هؤلاء الأطفال إلى الحب والأمن والأمان، والاهتمام بتصوير العلاقات الأسرية التي يسودها الحب والاحترام بين الأفراد للتأكيد على أهمية هذه العلاقات، وكذلك الاهتمام بتقديم دراما الأطفال التي تواكب الأحداث الدينية والسياسية والاجتماعية والمناسبات المختلفة، وذلك على اعتبار أن المسرح ما هو إلا مرآة عاكسة لهذا المجتمع الذي نعيشه.