قضايا وآراء

أبعاد الخرق الأوكراني في كورسك.. هل روسيا في خطر؟

| علي إبراهيم

نحو 400 كيلومتر مربع هو ما تقف فيه القوات الأوكرانية التي جازفت ودخلت بكل قوتها منذ نحو أسبوع بقعة ضئيلة من أراضي روسيا الاتحادية الممتدة على مساحة تتجاوز 17 مليون كيلومتر مربع، هذا الخرق المجهري تبناه نظام كييف على أنه إنجاز ميداني وسط حرب مستمرة منذ عامين ونصف العام لم يبخل فيها حلف الـ«ناتو» والغرب كله على أوكرانيا بالمال والسلاح أو حتى بحصار روسيا من جميع الاتجاهات وفي كل المجالات.

كورسك المقاطعة الحدودية الملاصقة للأراضي الأوكرانية وتحديداً لمقاطعة سومي شمال أوكرانيا كانت الثغرة التي اندفع آلاف الجنود الأوكرانيين فجأة عبر حدودها مدججين بشتى أنواع الأسلحة لتحقيق خرق ميداني، يلام عليه قطاع الاستخبارات العسكرية في الجانب الروسي باعتراف القادة الروس، لكن هل يغير هذا الخرق في المعادلة شيئاً؟ خاصة أن القوات الروسية ما زالت تتقدم بثبات في محاور عدة غرب إقليم دونباس وتواصل تدمير المعدات الأوكرانية والقضاء بشكل شبه يومي على أكثر من ألف جندي؟ وهنا يمكن تقسيم الإجابة عن هذا السؤال إلى مجالات عدة، فميدانياً يستوجب خرق كهذا الدفع سريعاً بقوات روسية لتطويقه وإيقافه، وهو ما حدث فعلاً بتأكيد رسمي من رئيس هيئة الأركان الروسية فاليري غيراسيموف خلال اجتماع طارئ مع الرئيس فلاديمير بوتين لبحث التطورات الميدانية بالقول: «تمكنت روسيا من وضع حد لتقدم التوغل الأوكراني في منطقة كورسك»، مضيفاً: «العملية ضد وحدات القوات المسلحة الأوكرانية، التي كانت تحاول التقدم إلى منطقة كورسك، ستنتهي بهزيمتها وبوجود حامية كاملة للقوات الروسية على حدود الدولة»، الأمر الذي يتم بالتزامن مع تأمين إخلاء مناطق سكنية عدة خوفاً على حياة قاطنيها وتفعيل حالة الطوارئ لحين انتهاء العمليات العسكرية في المنطقة التي حاول الغزاة إنشاء حواجز دفاعية فيها بسرعة بهدف البقاء ضمنها قدر المستطاع، فيما لم تتأثر الجبهات الأخرى التي كان يعول الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي على تأثرها ووقف الضغط الروسي فيها بسبب الخرق، أما معنويا فإن خرقاً كهذا لا يعني شيئاً في حال لم يستمر طويلاً ويتوسع في كل الاتجاهات، فالروس يعلمون أنهم في حالة حرب يمكن أن تتعرض فيها أراضيهم لقصف وخروقات عسكرية، إلا أن المعنويات يبدو أنها ارتفعت لدى حلفاء أوكرانيا كألمانيا التي فردت إحدى صحفها الأكثر شعبية «بيلد» عنوانا عريضا يقول: «بعد 80 عاما.. الدبابات الألمانية تغزو الأراضي الروسية»، في إشارة لدبابات هتلر التي اجتاحت منطقة كورسك ذاتها ضمن عملية بارباروسا الشهيرة في خضم الحرب العالمية الثانية عام 1941، الأمر الذي احتاج رداً سريعاً وعنيفاً من نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف الذي أكد أن «الدبابات الروسية الحديثة قادرة على الوصول مرة أخرى إلى ساحة مبنى الرايخستاغ في برلين»، في رسالة واضحة ومباشرة لحلف الـ«ناتو» وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية أن هذا الخرق لن يمر دون رد حقيقي.

ومما يدل على تورط الولايات المتحدة والـ«ناتو» بشكل مباشر في التخطيط لهذا الهجوم المباغت، تصريح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الذي قال إن «روسيا شنت هجمات على أوكرانيا من منطقة كورسك، والولايات المتحدة تؤيد حقّ كييف في الدفاع عن نفسها»، وتصريح المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ بأن «تحرك أوكرانيا ليس تصعيديا، لأنها تفعل ما يجب أن تفعله لتحقيق النجاح في ساحة المعركة»، وكذلك تأكيد الحكومة البريطانية بأن دعمها لأوكرانيا لم يتغير بسبب التوغل الأوكراني في روسيا، قائلة «لكييف حق واضح في الدفاع عن النفس»، إضافة لذلك فإن أوكرانيا لم تكن لتستطيع منطقياً الإقدام على خطوة كهذه دون التنسيق مع حلفائها الذين قدموا المعلومات الاستخباراتية والمخططات العسكرية للتحرك وتموضع القوات الروسية في منطقة الهجوم، كما سيقدمون في مرحلة لاحقة الدعم السياسي، وإضافة لكل هذا فإن الخرق الأوكراني مصلحة مشتركة حيث ترغب الإدارة الأميركية بدعم ملفها الانتخابي بحدث مختلف وصاخب على الساحة الروسية خصوصاً بعد الميزانية الضخمة التي تم تخصيصها لأوكرانيا مؤخراً والتي تجاوزت 60 مليار دولار وتصريحات المنافس الجمهوري للحزب الديمقراطي دونالد ترامب بأنه سينهي ملف الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة فقط بعد وصوله لسدة الرئاسة ما يعني جنوح العالم للاستقرار والابتعاد عن شبح الحرب العالمية الثالثة.

أما الرد الروسي على هذا الخرق فيأتي أولاً بتماسك موسكو وعدم انجرارها للقلق والتخبط الميداني خلال أسبوع كامل من القتال، وباستمرار قواتها بإحراز تقدم على جبهات دونباس وخيرسون وخاركوف، وأيضاً على جبهة زابوروجيا التي تعرضت محطتها النووية لهجوم أوكراني بهدف تهويل الإنجاز وشد الأنظار في العالم عموماً والداخل الأوكراني خصوصاً لسلسلة مما يمكن تسميتها «الأحداث الضخمة» بغية خلق نوع من الثقة بقيادة البلاد الممثلة بزيلينسكي ومن معه، والأهم من هذا كله العقاب الذي يجب أن يلم بكييف من خلال تضييق الخناق عليها بشروط قاسية في أي عملية مفاوضات قادمة على اعتبار أن أحد أهدافها من هجوم كورسك تحسين موقفها في المفاوضات التي طالبت روسيا بإطلاقها مراراً لوقف حمام الدم وإنهاء الحرب باتفاق يحفظ للبلدين أمنهما ويبعد الخطر الغربي عن الحدود الروسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن