قضايا وآراء

المقاومة تدفع الكيان نحو مرحلة عض الأصابع

| محمد نادر العمري

مرت قرابة الأسبوعين على عمليتي الاغتيال التي نفذتهما قوات الاحتلال الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية ببيروت، والعاصمة الإيرانية، وسط حالة يمكن وصفها بالترقب والحذر وانتظار مآلات الرد المنتظر من محور المقاومة بشكل عام، أو من خلال مسارات منفصلة يتبناها حزب اللـه والقيادة الإيرانية بشكل آحادي بهدف الحفاظ على قواعد الاشتباك وعدم منح قيادة الاحتلال فرصة التنصل من العقاب عن أحد الاغتيالات في حال حصول رد مشترك، وهو ما دفع الكثير من مراكز الدراسات البحثية والأمنية والسياسية داخل الكيان والعواصم الغربية لوضع العديد من سيناريوهات هذا الرد وشكله وحجمه وطبيعته، بالتزامن مع تبني مسارين متلازمين، الأول الحراك والضغط الدبلوماسي لاحتواء الرد، وحشد القوات العسكرية الغربية وفي مقدمتها الأميركية بالمنطقة كآلية لردع توسع رقعة الصراع والحفاظ على أمن الكيان.

من أبرز هذه التقديرات تتمثل بتلك الأنباء التي تبنتها الترجيحات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بالتزامن مع نظيرتها الأميركية، نحو قيام الحزب بالرد من لبنان انتقاماً لاغتيال القائد في حزب الله الشهيد فؤاد شكر قبل قيام الجمهورية الإسلامية بالرد على اغتيال قوات الاحتلال لرئيس المكتب السياسي لحماس الشهيد إسماعيل هنية في طهران، صراحة هو سيناريو وخيار مطروح على طاولة الحسابات التقديرية، ومن الممكن أن يكون من السيناريوهات الأكثر ترجيحاً لعدة أسباب:

-أولاً حزب اللـه هو أكثر جهوزية للقيام بالرد، وخاصة أنه في وضعية جهوزية الصراع المباشر منذ عشرة أشهر وفي إدارته لجبهة الإسناد خلال المرحلة المقبلة، كما أن الحزب يمتلك من المرونة التنظيمية والخبرات القتالية وقربه من الجغرافيا الفلسطينية وغير ذلك من عوامل تجعل خسائره أقل من خسائر إيران في حال حصول رد إسرائيلي محتمل وتدحرج الأمور نحو حرب مفتوحة، كما أن هذه العوامل ذاتها تشكل عامل قوة بيد الحزب لإيقاع خسائر لا يستهان بها في الداخل الإسرائيلي على المستويات كافة.

-ثانياً رد المقاومة الإسلامية من الممكن أن يدفع الكيان لرد مضاد، ويدخل الطرفين في جولة قتال مفتوحة لعدة أيام، وهو ما سيؤمن الظروف والأرضية للرد الإيراني بعد إرهاق الجيش الإسرائيلي، واستكمال الجهوزية الإيرانية في نشر منظوماتها الدفاعية على أرجاء الأراضي الإيرانية كافة وخاصة حول المناطق الحيوية العسكرية أو تلك الخاصة بالمفاعلات النووية، والتي تشكل أبرز الأهداف العسكرية لقوات الاحتلال.

-ثالثاً خوض الحزب لجولة صراع هذه ضمن ضوابط ومستويات، تتعدى إطار ما كانت عليه صيغة الاشتباك قبل استشهاد شكر، وأقل من حرب مفتوحة على المستوى الإقليم، وهو ما يمنح إيران فرصة الرد السريع دون تدحرج الأمور نحو حرب شاملة، ويمكنها في ذات الوقت ممارسة الضغوط السياسية على الغرب لتقديم ما يمكنهم من إمكانات لكبح جماح الكيان في استمرار العدوان.

هذا السيناريو مطروح ضمن دائرة التقديرات الإسرائيلية والأميركية، ولكن ماذا بالنسبة لمحور المقاومة؟ الإجابة عن هذا السؤال دفعنا للعودة لما تضمنه كلام الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه أثناء خطابه بمناسبة مرور أسبوع على استشهاد فؤاد شكر الذي اغتالته قوات الاحتلال في الثلاثين من الشهر الماضي، إذ كان لافتاً في هذه المناسبة، ورود جملتين أدخلت حكومة هذا الكيان ومؤسساته في دائرة الارتباك والضياع، الأولى: «الذبح بالقطنة»، ويعد من الأمثال الإيرانية التي تشير إلى التأني في انتقاء الهدف وتأمين كل الإمكانات والظروف لاستهدافه بدقة من دون أي خطأ، أما الجملة الثانية والمتمثلة «بأن تأخر الرد هو جزء من الرد»، في دلالة على استغلال حالة التصدع والقلق والترقب التي تسود داخل الكيان على المستويات كافة.

هذان المصطلحان، وإن كانا يرمزان إلى مدى تفعيل محور المقاومة عموماً إدارة الحرب النفسية، إلا أنهما يعكسان في الوقت ذاته حالة الاستنزاف التي يمر بها الكيان، والتي يمكن الاستدلال عليها من خلال الصور الآتية:

أولاً- إظهار حالة العجــز والإخفاق الاسـتخباراتي لقــوات الاحتلال الإسرائيلية وأجهــزته العســكرية من الموســاد والشاباك، في معرفة رد المقــاومة الإسـلامية في لبنــان، والرد الإيراني، من حيث توقيت التنفيذ، وطبيعــة الــرد وشــكله وحجمـه، وهو ما يزيد من ضعف ثقة المســتوطنين بإمكانات أجهزتهم الاستخباراتية التي ازدادت إخفاقاتهــا بشــكل متراكــم منذ عمليـة طوفان الأقصى في الـ7 من تشرين الأول الماضي، وهــو ما ينطبــق أيضاً على صورة ومكانة الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، التي فشلت حتى إعداد هــذا المقال في تحديــد موعد الرد، في ظل طرح العديد من المواعيد التقديرية كــان آخرها توقــع رد المقــاومة ليلــة 12 آب الجــاري لكونه يتزامـن مع ذكــرى هــدم الهيكلين والـــذي يعرف بـ«ايتــشا يآف»، ولعــل هــذا الســبب دفــع ما نســــبته 46 بالمئــة من المسـتوطنين وفق استطلاع للــرأي أجرتــه «هآرتــس» للمطالبة بعمل عسكري إسرائيلي استباقي في لبنان أو إيران، بهدف الهروب من حالة العجز التقديري للمؤسسات الاستخباراتية الإسرائيلية.

ثانياً- رفع حالة التأهب لدى قوات الاحتلال الإسرائيلية ووضع كل القوات الجوية والبرية والبحرية في حالة جهوزية، من منصات دفاعية وسلاح جو وبوارج بحرية، تتبع لهذا الكيان أو القوات الحليفة له تم استجلابها للمنطقة، تساهم في ناحية من زيادة العجز العسكري الإنفاقي، إذ تقدر مجلة «فورين بوليسي» تكلفة تحريك القوات الأميركية للشرق الأوسط بملياري دولار أسبوعياً، في حين كشف موقع «واللا» العبري أن رفع جهوزية قوات الاحتلال الجوية الدفاعية وإدخال منظومات مثل «مقلاع داوود» و«نظام آرو» و«سي دوم» و«الشعاع الحديدي»، والتي تتباين تكلفة إطلاق صاروخ منها بين 100 و175 ألف دولار، إلى جانب التكاليف الجانبية الأخرى من استمرار الدوريات الجوية لسلاح الجو، وزيادة عدد جنود الاحتياط، والذي يكلف الواحد منهم 1700 دولار شهرياً، ومن ناحية أخرى إطالة أمد الجهوزية تزيد حالة القلق والخوف والملل لدى الجنود ولاسيما الاحتياط منهم، وهو ما ينعكس سلباً على أدائهم في جبهات القتال، وجعلهم في حالة خوف مع كل عملية تنفذها المقاومة اللبنانية، وهو ما حصل في أكثر من مرة حتى إن الإعلام الحربي التابع لحزب اللـه نشر عبارة «اطمئنوا ليس هذا هو الرد» بعد إحدى عملياته نهاية الأسبوع الماضي.

ثالثاً- عدم حصر حجم خسائر الاستثمارات الإسرائيلية الاقتصادية فقط بتلك الناجمة نتيجة اندلاع حرب شاملة والتي قُدرت بـ131مليار دولار في الشمال فقط، بل بتلك التي طالت هذا الاقتصاد من خسائر فادحة بدأ يتكبدها بشكل متصاعد منذ عملية اغتيال الشهيدين شكر وهنية، إذ تتمثل هذه الخسائر في المسارات التالية:

– خسائر القطاع السياحي والنقل، فوفقاً للتقديرات الرسمية وغير الرسمية الإسرائيلية كان هناك 100 شركة طيران إسرائيلية ودولية تستخدم الأجواء الجوية والمطارات داخل الكيان، حتى إعداد هذا المقال، تقلص العدد لـ16 شركة فقط معظمها شركات إسرائيلية، كما أن قطاع السياحة الذي يشكل 17 بالمئة من روافد الخزينة الإسرائيلية، بإجمالي 4.5 مليون سائح، بات اليوم وبعد مرور أكثر من عشرة أيام صفر سائح.

– زيادة الإنفاق المعيشي للمستوطنين نتيجة تخزينهم للمؤن والاحتياجات الأساسية الغذائية والطبية والخدمية في انتظار الرد من المقاومة، ما أدى لارتفاع الأسعار بنسب تتراوح بين 100 و300 بالمئة وفق تقديرات القناة 12 الإسرائيلية، والتي كشفت أن الكيان سيعاني أزمة غذائية في حال اندلاع حرب وإغلاق ميناء حيفا، بسبب هجرة الأراضي الزراعية في الشمال وإغلاق أهم معبر بحري يورد الغذاء بنسبة 60 بالمئة للكيان.

– طلب الحكومة الإسرائيلية بإغلاق المصانع في حيفا، أدى لتوقف 13 ألف عامل عن العمل، وهو ما يعني زيادة البطالة الإسرائيلية التي ارتفعت خلال الفترة الماضية لما قارب الـ16 بالمئة، كما أنها تزيد الإنفاق المعيشي، وخاصة مع هجرة المزيد من مستوطني الشمال بعد عمليتي الاغتيال، إذ قدرت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن ما يزيد على 37 ألف مستوطن انتقلوا لمناطق الوسط والجنوب بعد تصاعد الأوضاع، يضافون إلى90 ألف سابقين، ورجحت الصحيفة أن تشهد إسرائيل المزيد من هذه الهجرات في حال تنفيذ المقاومة وإيران الرد العسكري وتدحرج الأمور لما يزيد على 450 ألف نازح.

– ارتفاع نسبة زيادة شراء الكحول والمخدرات بما يقارب 250 بالمئة عما كانت عليه قبل عشرة أيام، نتيجة الخوف والقلق وتراجع المعنويات بين المستوطنين.

ربما أن التعقيد الذي بات يسود المشهد بعد وقوف المنطقة بأكملها على حافة الهاوية، دفعت الإدارة الأميركية لإعادة ضخ الدماء للمسار السياسي، من خلال الدعوة لمباحثات وقف إطلاق النار في غزة، وتبادل للأسرى، في توجه هو أقرب لسحب فتيل انفجار الصراع على مستوى المنطقة، وإيجاد مخرج لإيران وحزب اللـه لعدم الرد أو الحد منه، في حال التوصل لاتفاق مازال بعيداً جداً حتى اللحظة، ولاسيما بعد تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مؤخراً مع مجلة «التايم» المتضمنة عدم رغبته بوقف الحرب في الوقت القريب بل بعد تحقيق كل أهدافه.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن