قضايا وآراء

الوضع الأميركي العالمي في مواجهة ثلاث جبهات

| تحسين حلبي

هل يعتقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنه سيبقى حتى نهاية الدورة الانتخابية الاعتيادية للبرلمان «الكنيست» المقرر انتهاؤها في عام 2026؟ يبدو أن أحد الأسباب التي تشجعه على هذا الاعتقاد هو أن حكومته الائتلافية المؤلفة من خمسة أحزاب يمينية متشددة والتي لديها 64 مقعداً من 120 أصبح من الصعب إسقاطها عن طريق انسحاب خمسة أعضاء برلمان أو أكثر من هذه الحكومة، لأن أعضاء الأحزاب الخمسة في البرلمان يدركون أنهم لن ينجحوا في المحافظة على عضويتهم في الكنيست بالعدد نفسه في أي انتخابات مبكرة، لأن أكثر من 72 بالمئة من الجمهور الإسرائيلي أعرب في استطلاعات الرأي في الأسبوع الماضي عن رفضه لبقاء هذه الحكومة الائتلافية ورئيسها نتنياهو نتيجة الكارثة التي ولّدها على إسرائيل بسبب عجزه طوال عشرة أشهر عن حسم هذه الحرب لمصلحتهم، بعد أن دفعوا ثمناً باهظاً من الخسائر في كل المجالات البشرية والاقتصادية والنفسية، ويبدو أن الولايات المتحدة ولأسباب جيوسياسية دولية، بدأت تفضل عدم تعريض الكيان الإسرائيلي لأي ضعف متزايد في دوره الإقليمي الذي تحتاج إليه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولا تفضل وجود أزمات داخلية تعمق الانقسامات فيه وتضعف ثقة المستوطنين والجيش بحكومته، وهذا ما يدل عليه امتناع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين عن ممارسة ضغوط حقيقية وفعالة على نتنياهو لإجباره على الموافقة على وقف النار المرحلي بحسب مبادرة بايدين، فهو يعتقد أن بقاء المقاومة في إدارة القطاع بعد وقف النار المفترض، سيضمن استمرار بقائها وثقة الشعب بها في أي مرحلة مقبلة يتولد فيها الاشتباك مرة أخرى، وبالمقابل يبدو أن إدارة بايدين تضع حسابات ملحة لاحتمالات تصاعد أشكال الصراع بينها وبين روسيا والصين على الساحة العالمية، ويهمها تعزيز قدرة إسرائيل العسكرية في هذه الحسابات لكي تكون قوة المواجهة المباشرة والرئيسة ضد إيران ومحور المقاومة في المنطقة، والكل يعرف أن إسرائيل تشكل قاعدة أميركية أولى ضد المنطقة، إقليمياً في الشرق الأوسط، وربما عالمياً، في حين تشكل أوكرانيا بؤرة صراع عالمية ثانية ضد روسيا في أوروبا، وتشكل تايوان موقع بؤرة صراع أميركية عالمية ثالثة ضد الصين، ولأن محور المقاومة يناهض الهيمنة الأميركية ويعد نفسه داعماً للقوتين العظميين روسيا والصين من أجل تحقيق عالم خال من الهيمنة الإمبريالية، فإن إسرائيل ستشكل في هذا الواقع قوة الصدام الأساسية التي تستخدمها الولايات المتحدة والغرب في منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية.

في هذا الاتجاه كانت واشنطن وحدها قد قدمت 60 مليار دولار لتسليح أوكرانيا في السنتين الماضيتين، وقدمت ما يزيد على 25 مليار دولار لتسليح إسرائيل في الأشهر الماضية، وأعلنت في التاسع من شهر آب الجاري عن تحديثها وتعزيزها للقوات الأميركية واليابانية ووضعها تحت قيادة عسكرية مشتركة ومنحها مسؤوليات عملانية موسعة، وهذه القيادة ستنسق مع القيادة العسكرية الأميركية المسؤولة عن الصين والهند وما حولهما من دول منطقتي المحيط الهادئ والهندي، وقد ذكر وزير الدفاع الأميركي لويد اوستين أن «هذا القرار سيشكل أهم تغيير في دور القوات الأميركية في اليابان منذ نشوء دولة اليابان التي سيزداد الدور الذي تقوم به في آسيا».

من خلال هذه التطورات تسعى واشنطن ومعها حلف الأطلسي إلى محاربة روسيا من أوكرانيا في أوروبا ومحاربة الصين من تايوان ومعها اليابان وأستراليا بمشاركة عدد من الدول الآسيوية المتحالفة مع واشنطن، ومحاربة محور المقاومة على يد إسرائيل بهدف ردع القوى العظمى الصاعدة والمحافظة على استمرار الهيمنة الأميركية ونظامها العالمي الإمبريالي.

ويبدو أن نتنياهو مطلع على هذه الصورة والاحتمالات التي تشير إليها في زيادة التوتر بين القوى العظمى في مختلف الساحات العالمية والإقليمية، وربما هذا ما دفعه إلى إبلاغ وزرائه في جلسة يوم الأحد 11 من شهر آب الجاري بموجب ما ذكرت، آنا بارسكي، في صحيفة «معاريف» أمس الإثنين بأن «ما ينتظر إسرائيل في الأيام المقبلة سيكون مصيرياً»، وطلب من الوزراء «الامتناع عن إجراء مقابلات مع الصحف في مواضيع سياسية وأمنية في هذه الأيام المصيرية».

بالمقابل يعتقد بعض المحللين الإسرائيليين ومنهم باراك رابيد في موقع «والا» العبري أن إعلان حماس امتناعها عن المشاركة في جلسة المفاوضات المقررة برعاية واشنطن والدوحة والقاهرة الخميس المقبل ربما يعود «واحد من أسبابه إلى إعطاء إيران وحزب اللـه فرصة تنفيذ الرد المعد منهما ضد إسرائيل، ولأن أي اتفاق على وقف إطلاق النار يجري التوصل إليه بين حماس وإسرائيل في القاهرة قد يحرج حزب اللـه وإيران في موضوع الرد»، ويبدو أن نتنياهو يدرك أن أطراف محور المقاومة ينسقون معاً سواء في موضوع المفاوضات أم في موضوع الرد الذي يخيف الكيان الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، وربما هذا الخوف بالذات هو ما جعل نتنياهو يحذر وزراءه من مواجهة «أيام مصيرية مقبلة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن