من دفتر الوطن

صندوقنا الأبيض!!

| عبد الفتاح العوض

الثابت في علم النفس أن في كل إنسان عدة شخصيات؟

لكن السؤال: هل هذا نفاق أم مرض نفسي «الفصام» أم الأمر طبيعي لا يخرج عن كونه جزءاً من النفس البشرية وهو طبيعة البشر؟!

الذي يحدث أن هذه الشخصيات نحتفظ فيها! إما كأسرار لاتكاد تظهر أمام أحد، أو أن «نظهر» شخصيتنا الحقيقية في حالة الأمان وعندما تشعر أن البيئة التي تعيش فيها تحترم وجود هذه الشخصية أو في الحد الأدنى تتقبلها.

أهل الدراما يتفقون مع علماء النفس على توصيف بعض الشخصيات بأنها مركبة أو معقدة، وهذه الشخصيات مغرية للغوص في دواخلها، ولا أدري إن كانت مغرية للشخص نفسه، أم إنه يعاني من تصارع المشاعر وتضارب الأفكار وتغيير سرعة الرياح والأمواج في محيط قلبه.

من الواضح أننا في مجتمعات لا يستطيع الناس التعبير عن دواخلهم ولا شخصياتهم، ولا حتى آرائهم بشكل كامل. إن ما يظهر من كثير منا رأس جبل الجليد وما خفي أعظم وربما أجمل.

لكن هذا لا يقتصر علينا فقط، بل يتعداه إلى أوساط كثيرة في مجتمعات العالم، تكاد القضية تكون «بشرية»، بمعنى عند معظم البشر لكن بعض المجتمعات أعطت مساحة أكبر للفرد بأن يعلن عن نفسه.

هل هذا ما نسميه الصندوق الأسود أم إنه من المفيد لو تعاملنا معه على أنه صندوقنا الأبيض الذي يحوي حقائقنا بغير تزييف؟!

ليس فقط المجتمع الذي لا يقبل تعدد الشخصيات في الإنسان.. بل حتى إن الشخص نفسه يضيق ذرعاً من هذه التقلبات وعدم الاستقرار الذاتي.

إن أكثر الحالات التي يريد أن يصل إليها الإنسان هي تلك اللحظة التي يتصالح فيها مع نفسه، «يحبها كما هي» ويتقبلها بكل ما فيها، لكن دون ذلك أهوال وأهوال.

ثمة جانب لا نغفل عنه، قد يكون تعدد الشخصيات مرضاً نفسياً له درجات كثيرة، منها اضطراب الهوية، حيث لا تعرف من أنت بالضبط.

وقد يكون أيضاً نفاقاً صريحاً، لا نقول عنه فقط هذا شخص بوجهين بل بخمسة وجوه وربما أكثر.

هذا الأمر انعكس كثيراً على المجتمع.. فنحن ملائكة على مواقع التواصل الاجتماعي وسعداء في أغلب الأحيان ومثاليون دوماً، لكن ما يحصل في المجتمع أن تعدد الشخصيات أصبح للمجتمع كله.

الحالة الطبيعية ألا يكون المجتمع بالإجمال كما لو أنه شخصية مستقرة، فطبيعة المجتمعات أن تكون متنوعة ومتعددة ومركبة، وهي بذلك انعكاس طبيعي لكل إنسان.

لعل الفكرة التي أؤمن بها قد تكون صحيحة.. كل إنسان يشبه الطبيعة، فيه كل الفصول، بما في كل الفصول من تنوع وتقلب وتغير.

صندوقنا الأبيض ليس نفاقاً.. بل جمال.

أقوال:

• ثمة أشخاص يغيرون وجوههم كما يغيرون ثيابهم.. يبدلون ألوانها وأشكالها يومياً.

• رائحة النفاق تكاد تخنق في هذا المجتمع.

• الفارق بين الصندوق الأسود في الطائرات وصندوقنا الأسود أنه في الطائرات يحتاجونه بعد سقوط الطائرة، في حين صندوقنا الأسود علينا أن نعثر عليه كي لا نسقط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن