قضايا وآراء

هل تنخرط واشنطن بحرب مباشرة وما المضاعفات عليها؟

| تحسين حلبي

75 عاماً مرت على صدور ميثاق جنيف الرابع بموافقة معظم دول العالم إن لم يكن جميعها والذي يقضي بمنع فرض أي عقاب اقتصادي جماعي على الشعوب ومنع قتل المدنيين أثناء الحرب واعتقالهم وتعذيبهم وتدمير بيوتهم ونقلهم من قراهم ومدنهم إلى أماكن أخرى، وبهذه المناسبة وقعت أكثر من 40 منظمة قانونية و200 من المحامين ورجال القانون المختصين بالقانون الدولي على مذكرة يدينون فيها كل العقوبات وأشكال الحصار التي تفرضها الولايات المتحدة على أكثر من ستين دولة ويطالبون فيها بالتوقف عن هذا الخرق الفاضح للقانون الدولي.

اللافت أن هذه العقوبات نفذها الكيان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني طوال 75 عاماً من دون توقف وبدعم ومشاركة الولايات المتحدة وكل الدول الغربية، فما الحل الذي يجب أن يفرضه العالم على الولايات المتحدة التي ترفض احترام وتطبيق قوانين دولية شاركت في وضعها أو الاعتراف بها؟

في الـ12 من شهر آب الجاري كشفت مجلة «ذا كراديل» الأجنبية أن جيش الاحتلال قتل 2 بالمئة تقريباً من إجمالي سكان قطاع غزة معظمهم من الأطفال والنساء خلال حرب الإبادة التي قام بها طوال عشرة أشهر، وأن 70 بالمئة من المصابين بجروح هم من الأطفال والنساء، وأن هناك 10 آلاف مفقود تحت الدمار، وتوضح المجلة الطبية الأجنبية «ذا لانسيت» أن هذه الأرقام لا تشير إلا إلى الموت المباشر على يد الجيش الإسرائيلي وهناك الموت غير المباشر بسبب الإصابات التي تؤدي إلى الموت أو بسبب الأمراض التي يولدها الدمار ونقص الغذاء وانعدام الرعاية الصحية، وربما أصبح عدد جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان يزيد على آلاف كثيرة استهدفت كل شبر من أراضي القطاع وكل تجمع سكاني وقرية ومدينة ومع ذلك معظم دول العالم تلجأ إلى الصمت تجاه الولايات المتحدة صاحبة القرار الحاسم على إسرائيل.

وإذا كان السجل التاريخي للحروب التي اعتادت إسرائيل على شنها طوال 75 عاماً يثبت أن الولايات المتحدة تشارك في هذه الحروب بأشكال كثيرة مباشرة وغير مباشرة، فإن تطورات حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وصمود المقاومة فيها على ثلاث جبهات معززة بقوة الجمهورية الإسلامية وسورية، أصبحت تتحول الآن إلى شرارة حرب إقليمية إذا انخرطت في هذه الحرب الولايات المتحدة بقوات عسكرية، وسوف تصبح أمام امتحان غير مسبوق لا يشبه حربها على العراق أو حربها على سورية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما ومن بعده الرئيس السابق دونالد ترامب. ولذلك بدأ المحللون في الكيان الإسرائيلي يحذرون بنيامين نتنياهو من التسبب بحرب إقليمية قد تجعل أقدام المقاتلين في حزب اللـه وأقدام فصائل المقاومة في القطاع تصل بالقصف والمباغتة إلى داخل الحدود الإسرائيلية وإلى قلب المراكز السكنية، إضافة إلى الصواريخ والقذائف التي تسبقها إلى المستوطنات وعندئذ لن تنفع كل القوة البحرية العسكرية والجوية الأميركية التي وصلت لدعم إسرائيل في منع الخسائر التي ستسببها أقدام المقاتلين داخل الجبهة الداخلية. ولعل أكثر ما يميز نتائج عملية طوفان الأقصى وتطوراتها خلال أقل من سنة هو أنها ولدت خوفاً وهلعاً داخلياً من رجال المقاومة وقدرتهم على أسر الجنود إذا ما تمكنوا من اختراق الحدود على غرار ما وقع في السابع من شهر تشرين الأول الماضي.

ومن أهم الامتحانات التي تواجهها الولايات المتحدة إذا ما قررت الانخراط المباشر في حرب ضد كل أطراف محور المقاومة هو مدى تحملها لاتساع ساحات الحرب واحتمال الغرق في عملياتها والانشغال بها لزمن قد يطول، ولم تكن قد وضعت حسابات له في عصر أصبح المقاتلون في حرب العصابات ضدها قادرين على استخدام المسيّرات والقذائف الصاروخية قرب انتشار قواتها ومن اتجاهات تمتد من سورية إلى العراق إلى إيران إلى فلسطين من جنوب لبنان.

ولا شك بأن حرباً أميركية كهذه لن تمر من دون احتمالات التسبب بمضاعفات تلحق الضرر بكل أشكال علاقاتها مع دول الجوار لأنها ستكون أول الحروب الأميركية المباشرة على الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده ومستقبل قضيته ولن تكون حرباً على إيران وحدها بموجب التضليل الإسرائيلي والأميركي المستخدم في المنطقة. فقضية فلسطين دخلت بفضل عملية طوفان الأقصى إلى تفاصيل كل أشكال وعناوين وأطراف كل ساحات ودول المنطقة، وأصبح الرأي العام العالمي حتى في عقر البيت الأميركي يندد بأي حرب على الفلسطينيين وكل من يدعم الكيان الإسرائيلي ضدهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن