في الدوحة لا اتفاق سوى على التأجيل
| عبد المنعم علي عيسى
عشية انطلاق جولة المفاوضات، التي جرى توصيفها على أنها مفاوضات «الفرصة الأخيرة»، بالدوحة يوم الخميس المنصرم نشرت وكالة «رويترز» تقريراً نقلت فيه عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، وفيه قال أحد هؤلاء الثلاثة إن «إيران وحزب اللـه سيشنان هجوماً مباشراً إذا ما فشلت المفاوضات (جولة التفاوض المقررة بالدوحة يومي الخميس والجمعة المنصرمين) في الوصول إلى هدنة في غزة»، والمؤكد هو أن تلك التصريحات أريد لها أن تشكل مطرقة موجهة إلى رأس «حكومة الحرب» بتل أبيب التي تزايدت المطارق الموجهة إليها في الآونة الأخيرة بدءاً من الداخلية منها ثم وصولاً إلى الدولي الذي تنوعت فيه أشكال المطارق بدرجة لربما لم تكن معهودة من ذي قبل.
وعشية الفعل أيضاً، الذي نقصد به جولة التفاوض الأخيرة آنفة الذكر، راحت واشنطن ترسل العديد من الإشارات التي تحاول من خلالها بث روح التفاؤل من نوع أنها ستتقدم بـ«مقترح جديد» بل «ستمارس أقصى الضغوط من أجل التصديق على مقترحها» وفقاً لما ذكرته «واشنطن بوست» في تقرير لها نشرته يوم الأربعاء، لكن على ضفة الحليف الإسرائيلي كانت المناخات التي يشيعها هذا الأخير شديدة التناقض مع الأولى، بينما الهدف من الفعل، كما يبدو، يرمي إلى تخفيض سقف التوقعات، بل للقول إن اتفاقاً يقود إلى وقف العدوان على غزة أمر لا يزال بعيد المنال، والشاهد هو أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كان قد أضاف إلى «شروط أيار»، التي تضمنت تمسك إسرائيل بالسيطرة على «محور فلادلفيا» ووضع حواجز على «محور نتساريم» ضماناً لعدم انتقال الأسلحة والمقاتلين إلى شمال القطاع، ثم ألحق في استخدام «الفيتو» على بعض الأسماء التي تطالب حركة «حماس» بها في إطار صفقة التبادل المفترضة، شرطاً جديداً يبدو ليس بأقل من الشروط السابقة التي تكشف ملامحها نية تل أبيب تجديد القتال، إذا تم التوصل إلى هدنة، بهذه الذريعة أو تلك، والشرط الجديد يقول بوجوب ترحيل قادة الصف الأول والثاني والثالث من «حماس» إلى خارج غزة، ولربما كان هذا الشرط قد أوحى لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن شيئاً ما جديداً لن يحدث ولذلك فضل عدم المجيء للدوحة.
من المؤكد أن جولة التفاوض الأخيرة كانت تختلف كثيراً عن سابقاتها، فمناخات الاحتقان التي سادت بعيد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية وكذا اغتيال القيادي البارز بـ«حزب الله» فؤاد شكر أواخر شهر تموز المنصرم، كانت كفيلة بخلق ظروف ضاغطة على كل الأطراف، ناهيك عن أن «السعار» الإسرائيلي الذي تمثل مؤخراً باستهداف مكثف للمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، كان هو الآخر يرخي بظلاله على مشهد إقليمي بات على وشك مغادرة «الحسابات» السابقة، ثم في الأتون كانت إسرائيل، التي تجد نفسها أمام مأزق غير مسبوق، عبر فشلها في حسم الحرب المندلعة منذ أحد عشر شهراً فيما رئيس وزرائها ليس لديه سوى الوعد بـ«النصر» الذي لن يأتي حتى بمنظار قادة أجهزة أمنية واستخباراتية وصفوا وعود نتنياهو بـ«محض هراء»، واللافت في الأمر هو أن الأخير نفسه كان قد قال عشية الحرب عام 2014 إن «القضاء على حماس أمر مستحيل»، فما الذي تغير؟ خصوصاً أن أداء الحركة خلال حرب 2023-2024 كان يثبت الخلاصة التي استنتجها، نتنياهو، من الحرب الأولى؟ والمؤكد هو أن ما تغيّر فقط، هو حسابات الداخل التي تطوله بشكل شخصي أولاً، ثم حساب التوازنات الداخلية التي تنبئ بحقيقة مفادها أن الحرب، فيما لو وقفت عند هذه النقطة، فإن إسرائيل التي عرفها الغرب والمنطقة طوال سبعة عقود لن تكون موجودة، الأمر الذي يفسر سعي نتنياهو لتحقيق حلمه القديم، المتجدد، باندلاع حرب أميركية- إيرانية، الأمر الذي يرى فيه سبيلاً وحيداً لاستعادة كيانه الصورة التي كان عليها قبل 7 تشرين الأول المنصرم، لكن كل المؤشرات تقول إن واشنطن لا ترغب، أقله في الوقت الراهن، ولذا يصبح الرهان على متغير ما يمكن أن يحمله شهر تشرين الثاني المقبل، الذي سيشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية، أساسياً عند نتنياهو.
في نهاية الجولة جرى الإعلان عن أن «المفاوضات سوف تستأنف الأسبوع المقبل بالقاهرة»، في حين أشارت تقارير إلى أن واشنطن قدمت اقتراحاً من شأنه «تقليص الفجوة» بين الموقف الإسرائيلي وموقف حماس، أما الرئيس الأميركي فقال إن «اتفاق وقف النار في غزة هو أقرب مما كان عليه قبل 3 أيام»، والراجح هو أن المعطيات السابقة تؤكد أن نتنياهو لم يقلع بعد عن سياسته الرامية إلى إطالة أمد الحرب لحين انقشاع «ضباب واشنطن» شهر تشرين الثاني المقبل، أما إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فالراجح هو أنها ترى أن الحفاظ على نتنياهو أمر لا بديل منه لإنجاز ترتيبات كبرى في المنطقة بُعيد أن تنتهي الحرب، وتلك الترتيبات، تستحضر رؤية مفادها أن الكثير مما بين يديها، على الرغم من سوداوية المشهد، يعطي الفرصة لإعادة ترتيب «البيت الشرق أوسطي»، من دون أن يلغي ذلك أنها قد تذهب إلى تحفيز حليفها نتنياهو إلى تنفيذ ضربة استباقية تكون خادمة لذلك الترتيب مما يمكن أن تشي به «المماطلة» التي بدت صارخة في اجتماع الدوحة.
كاتب سوري