قضايا وآراء

حين تنهار قدرة المستوطنين على البقاء

| تحسين حلبي

يبدو أن ما يجري داخل الكيان الإسرائيلي من قلق ويأس عند نسبة متزايدة من المستوطنين يدل حقاً على الهزيمة الداخلية التي يتكبدها الكيان من خسائره البشرية والمعنوية في كل يوم وخاصة في الأسبوعين الماضيين اللذين شهدا تهديدات مباشرة من حزب اللـه ومن طهران بشن عمليات عسكرية للرد على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية والقائد في حزب الله فؤاد شكر، وفي هذا الإطار نشرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية مقالاً للصحفي دور بن عامي ينقل فيه نموذجاً منتشراً بين المستوطنين الذين فرض عليهم جيش الاحتلال إخلاء بيوتهم لعدم قدرته على حمايتهم من نيران وقذائف المقاومة، وخصوصاً في مستوطنات غلاف قطاع غزة وشمال فلسطين المحتلة، وتحت عنوان «مستوطنة أخلت بيتها» يقول بن عامي في مقاله المنشور أمس الإثنين، قالت لي: كيف تتوقع مني أن أعود إلى المنزل عندما لا يكون هناك ملاجئ يمكن اللجوء إليها؟ وتضيف «لقد مر أسبوعان ونحن نتداول في موضوع الرد الإيراني ورد حزب اللـه المتوقع، وها نحن في إسرائيل أغلقنا السماء خوفا، وباتت الدولة في حالة قلق شديد، وبالذات في هذه الأوقات يريدون منا العودة إلى مستوطنة سديروت قرب قطاع غزة، وأنا موظفة في الشؤون الاجتماعية وقبل يوم واحد من السابع من تشرين (الأول الماضي) غادرت البيت لثلاثة أيام وهأنذا خارجه لعشرة أشهر، وإذا عدت فلن أخرج منه لأن الخروج ما زال خطراً على حياة الجميع فكيف تطلبون منا العودة إلى المستوطنة؟

لقد هددت السلطات الإسرائيلية المستوطنين وعددهم مئات الآلاف بالتوقف عن دفعها لنفقات الفنادق التي يقيمون بها منذ مغادرتهم للمستوطنات، وطالب كل هؤلاء المستوطنين عدم تطبيق هذا القانون على «المهجرين من مستوطناتهم».

وفي صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية يقول كاي ديكيل في مقاله المنشور أمس أيضاً: إن عدداً من المستوطنين قالوا له: «وهل إسرائيل بعد السابع من تشرين يمكن أن يقال إنها صالحة للحياة؟»، وتزداد التساؤلات التي تتحدث عن الهجرة من إسرائيل، ويضيف هذا النموذج من المستوطنين الذين تتزايد أعدادهم: «لا يوجد بيت ولا جالية، لقد زلزلت الحرب أكثر مكان آمن لي»، هذا ما قاله يوسف أوحنا، وعمره 27 عاماً ويعمل مهندس بناء من كيبوتس غابيم حين تحدث عن هجرة جدته إلى إسرائيل وعن رغبته بمغادرة البلاد بهجرة عكسية إلى برلين، وقد ازداد عدد هذه النماذج من المستوطنين الذين فقدوا رغبتهم في البقاء بعد أن رأوا أن المقاومة لن تتوقف وأنها تولد المزيد من المقاومين بعد هذه العمليات الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين في القطاع واللبنانيين في جنوب لبنان.

وإذا كان المستوطنون الأوروبيون اليهود قد جاؤوا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد أن وظفتهم بريطانيا كمرتزقة في جيشها ولمصالحها الاستعمارية وقدمت لهم السلاح لاحتلال أراضي الفلسطينيين وقتلهم وتدمير بيوتهم وإبعادهم عن هذا الوطن بقوة الإرهاب والمذابح، فهاهم أبناء وأحفاد هؤلاء المستوطنين يجدون أن أصحاب الأرض من الفلسطينيين ومعهم حلفاؤهم في محور المقاومة، لا يتوقفون عن المقاومة ويزداد عددهم داخل أراضيهم المحتلة في فلسطين، ولذلك بدأ اليأس يتسلل إلى عدد كبير من هؤلاء الأوروبيين ويدفعهم نحو العودة لأوطانهم التي حملتهم بريطانيا منها إلى فلسطين قبل قرن من الزمان، وكشف موقع وكالة أنباء «أي أي» التركي بالانكليزية في 24 حزيران الماضي بموجب مصادره الإسرائيلية أن «550 ألفاً من الإسرائيليين غادروا إسرائيل خلال الأشهر الستة من عملية طوفان الأقصى والحرب في القطاع إلى أوروبا وأميركا وكندا من حيث جاؤوا، وكان موقع مجلة «ميديل ايست مونيتور» قد ذكر أن الأرقام الإسرائيلية أشارت إلى مغادرة 756 ألفاً من الإسرائيليين حتى عام 2020 إلى الدول التي جاؤوا منها فتصبح الأرقام الإسرائيلية معترفة بوجود ما يزيد على أكثر من مليون وثلاثمئة ألفاً غادروا إسرائيل خلال عقدين، لكن الرقم الحقيقي يشير إلى مليونين بموجب ما وصل إلى أميركا التي ذكر موقع الكنيست الإلكتروني العبري قبل سنوات أن 800 ألف من الإسرائيليين اتخذوا من الولايات المتحدة وطناً لهم بعد أن غادروا إسرائيل، وكان رئيس الكيان الراهن بوجي هيرتسوغ قد حاول إقناع عدد من هؤلاء في أثناء زيارته كرئيس لهيئة الهجرة والوكالة اليهودية قبل انتخابه رئيساً، بالهجرة مرة ثانية إلى الكيان فلم يجد من يستجيب وظهرت في العالم الآن منظمة يهودية تطلق على نفسها «فلنغادر إسرائيل معاً» ولها موقع في فيسبوك يقدم المساعدة لأي إسرائيلي على مغادرة إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن