قضايا وآراء

رسائل المحور وفرصة إسرائيل الأخيرة

| علي عدنان إبراهيم

بالتوازي مع تجاذبات طاولة المفاوضات في الدوحة بين وفد إسرائيل والوسطاء المتحدثين باسم حماس، وقعت ثلاثة أحداث على قدر عالٍ من الأهمية في ثلاث جبهات مختلفة على طول فلسطين المحتلة، أولها الفيديو الذي نشرته كتائب القسام لعملية تفجير عبوات ناسفة على محور نتساريم واصطياد جيبين عسكريين للاحتلال، وثانيها الانفجار الذي هز تل أبيب، وثالثها الهجوم الجوي الذي شنه حزب اللـه على ثكنة «سنط جين» العسكرية لأول مرة، التي تبعد عن حدود لبنان الجنوبية نحو 17 كيلومتر وسط تأهب غير مسبوق للعدو ودفاعاته الجوية.

كل حدث من هذه الأحداث الثلاثة تضمن في طياته رسالة شديدة اللهجة لنتنياهو الذي يحاول نسف المفاوضات بالمراوغة وإدراج الشروط التي لا تناسب وضعه كخاسر للحرب حتى اللحظة، على اعتبار أنه لم يحقق أي هدف من الأهداف التي وضعتها حكومته قبل 10 أشهر، فالحدث الأول أكد أن عناصر المقاومة في غزة قادررون على الوصول لأي مكان يتحرك أو يتحصن فيه العدو واستهدافه واستنزافه بشكل مستمر في حال أصر على البقاء في غزة بعد الحرب، إضافة إلى ما كشفه منفذو عملية تفخيخ محور نتساريم عن كونهم تجنيد عام 2024 أي بعد 3 أشهر على الأقل من بدء الحرب، ما يدل أولاً على أن المقاومة تجتذب شبان غزة لا العكس كما يحاول الاحتلال الترويج، وثانياً أن ظروفاً تساعد على التدريب لم تهيأ لهؤلاء الشبان ورغم ذلك تمكنوا من إنجاز المهمة بكل احترافية والعودة بسلام بعد توعدهم نتنياهو بعمليات أشد وطأة، ما يؤكد القدرات الكبيرة للشباب الفلسطيني والتجدد الدائم لكتائب القسام في جباليا وغزة ورفح وجميع محاور القتال التي يتوقع جيش الاحتلال أنه تمكن من تفكيك كتائبها، أما الحدث الثاني فهو انفجار شاحنة مفخخة في تل أبيب وتبني كتائب القسام وسرايا القدس للعملية رغم عدم نجاحها بإلحاق أضرار كبيرة أو إصابات بين المستوطنين، إلا أن الصدمة تمثلت بكيفية وصول الشاحنة إلى وسط تل أبيب وانفجارها هناك، حيث أكدت تحقيقات جهاز الشاباك أن السيارة كانت تحمل 8 كيلوغرامات من المتفجرات وأن منفذ الهجوم جاء من نابلس وتمكن من اختراق كل الحواجز الأمنية للعدو وتنفيذ عمليته، وما عمّق رعب الإسرائيليين تأكيد القسام والسرايا في بيان مشترك أن «العمليات في الداخل الإسرائيلي ستعود للواجهة طالما تواصلت المجازر وعمليات تهجير المدنيين واستمرار سياسة الاغتيالات»، وتجلى الحدث الثالث باستهداف المقاومة اللبنانية بعدد من الطائرات المسيّرة ثكنة عسكرية لجيش العدو شمال عكا تسمى قاعدة «سنط جين» وهي قاعدة لوجستية تبعد عن الحدود مع لبنان 16.5 كيلومتر ويتم استهدافها للمرة الأولى، حيث تسبب الهجوم بمقتل جندي إسرائيلي وإصابة 6 آخرين كردّ على عملية الاغتيال التي نفذها طيران العدو قبل يوم واحد ضد أحد قياديي قوات الحزب في منطقة قدموس بصور جنوب البلاد.

تؤكد هذه الأحداث الثلاثة ورسائلها أن إسرائيل مقبلة على وضع جديد في حال رفضت مرة أخرى تسهيل المفاوضات والجنوح للهدنة على اعتبار أن هذه الجولة من المحادثات في الدوحة وصفت بالأخيرة، وما وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة وعقده لقاءات مكثفة مع المسؤولين الإسرائيليين وتأهبه لزيارة مصر سوى محاولة للضغط بهدف التوصل لاتفاق يرضي إسرائيل ويقيها الحرب لكن لا يرضي نتنياهو، إلا أن اللهجة الأميركية بدت واضحة هذه المرة على لسان بلينكن الذي أكد خلال لقائه رئيس الكيان أن «المحادثات بشأن غزة ربما تكون آخر فرصة للتوصل إلى هدنة»، ليشدد رئيس حكومة الكيان السابق وزعيم المعارضة الحالي يائير لابيد على خطورة الموقف بالقول: «عندما يقول بلينكن إن هذه قد تكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق فهذا بمنزلة نداء لنتنياهو»، داعياً نتنياهو إلى عدم تضييع هذه الفرصة، وبالتوازي وجهت إيران رسالتها الدبلوماسية الأخيرة المطمئنة لواشنطن قبل أن ينتقل الحديث للنار، حيث أكدت الخارجية الإيرانية في بيان موجه للولايات المتحدة أنها على استعداد لخفض التصعيد في حال تم التوصل لوقف إطلاق نار في غزة، وقالت في بيانها «الكرة في ملعب الإدارة الأميركية لتثبت أنها جادة في وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة».

ومع بقاء شهرين فقط على خوض غمار الانتخابات الرئاسية الأميركية يبدو أن الوقت المخصص لمغامرات نتنياهو قد نفد بالكامل من دون أن يتمكن من اصطياد قادة حماس في غزة وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة يحيى السنوار الذي فاجأه وصار رئيس الحركة بالإجماع، تمهيداً لما بعد الحرب، ويبدو أن أي اتفاق لن يأتي على مقاس نتنياهو بل سيلجأ الأميركيون لإجباره على التوقيع، حيث ينص المقترح الأميركي الأحدث على وجود أمني مشترك بين القوات الأميركية والمصرية والفلسطينية والبعثة الأوروبية في معبر رفح ومحور فيلاديلفيا اللذين يعتبرهما نتنياهو خطاً أحمر وضرورة إستراتيجية لا يمكن التنازل عن شرط إبقاء قوات إسرائيلية فيهما، غير أن الوقت لم يعد كافياً للأخذ والرد، والصبر اقترب من النفاد، والأصابع في محور المقاومة تتحرك نحو الزناد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن