«الطاولة الثالثة» وتشكيل الكتلة الحرجة
| مازن بلال
تتحرك الدبلوماسية الدولية داخل دائرة مرتبطة أساساً بالاشتباك الإقليمي، فهي مهتمة بالتنقل بين وفد الحكومة السورية والوفد المنبثق عن مؤتمر الرياض، فالعقدة الأساسية للمبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، هي البدء بخلق أي رابط يمكن التفاوض عليه يحقق التوازن على مستوى المنطقة؛ بين محور السعودية وباقي المحاور المتناثرة في المنطقة، وهو يؤجل أي تشاور مع «الطاولة الثالثة» التي تمثل طيف المعارضة، فالاهتمام الأساسي يتمحور حول تشابك المصالح الإقليمية أو حتى إدارة النزاع فيما بينها، ضمن شرط دولي مفتوح على احتمالات واسعة، وهذه الآلية، رغم الضجيج الإعلامي، ستنتهي مع انهيار الاستنزاف لهذا الجهد الدبلوماسي.
السؤال الأساسي كيف سينهار هذا الاستنزاف في ظل بقاء الاشتباك الإقليمي من دون ضغط دولي مباشر؟ ربما تحاول كل من تركيا وقطر كسب الوقت بانتظار انهيار العملية برمتها، لكن هذا الرهان يعتبر أن موسكو هي مجرد «رقم عسكري» وليس نقطة ارتكاز سياسي، وهو يتجاهل أيضاً الجانب الأهم من جنيف كمكان لتجمع أكبر فعالية للمعارضة والنشطاء السوريين في آن، ففي هذه العملية التفاوضية لا يوجد فقط شرعية دولية بل إمكانية حدوث علاقات جديدة على المستوى السياسي داخل الأزمة السورية، فالدكتور قدري جميل يتحدث عن «الكتلة الحرجة» وهو مصطلح ليس جديداً لكن المهم فيه هو الآلية التي يمكن اعتمادها بناء عليه، فـ«الكتلة الحرجة» يمكن أن تتشكل خلال عملية التفاوض، واللائحة التي تم تقديمها للسيد دي ميستورا تعتبر الأولى التي تحاول بناء مشروع للمعارضة؛ فهي تضم إضافة لقدري جميل وفاتج جاموس كلا من رنده قسيس وصالح مسلم وهيثم المناع، إضافة لشخصيات قادرة ولو في مرحلة لاحقة على تمثيل كتلة لمصالح السوريين، وهي تبدو رغم كل الظروف خارج «الاشتباك الإقليمي» من حيث إمكانيتها، لو أرادت، على قراءة ما يريده المجتمع السوري، لكنها في قلب هذا الاشتباك لجهة رسمها لشكل سورية القادمة وسط «كتل» إقليمية ضاغطة، مثل السعودية وإيران وتركيا.
تشكيل هذه «الكتلة الحرجة» مازال يحتاج إلى رؤية أوسع تتبلور من خلال التفاوض حصراً، وهي تجلس على «الطاولة الثالثة» التي ستمثل خلال المرحلة القادمة «مجتمع ما بعد الأزمة»، فهي الكتلة الوحيدة القابلة للتطور والنضوج بعد أن استخدمت الأطراف الأخرى كل ممكناتها في عملية الصراع، لكن انتقال التفاوض من «النزاع» بين الوفد الحكومي ومفوضي الدول الإقليمية؛ باتجاه الحوار مع «الطاولة الثالثة» يحتاج الآن إلى أمرين:
– إبراز القيمة المضافة لهذه «الطاولة» وهو ما تقوم به موسكو بشكل هادئ، ولكن على المستوى السوري الداخلي هناك حركة سياسية مطلوبة لإثارة العلاقة التي تربط هذه «الكتلة» بالحركة السياسية الداخلية، ومهما بدا هذا الأمر صعباً في ظل المعارك العسكرية، فإنه ممكن من خلال بلورة خطاب سياسي داعم للتحول الذي تحمله العملية التفاوضية.
– بلورة المشروع التشاركي لهذه الكتلة التي تستند أساساً على مساحة واسعة من المصالح الداخلية، وإذا كان المجتمع ساكناً تجاه التحرك نحو أي موقف سياسي جديد، فإن كسر الجمود هو الرهان الأول لدعم عملية التفاوض الطويلة، وسيشكل لاحقا محور مشروع هذه «الكتلة» خلال المدة التي حددها قرار مجلس الأمن.
الرهان على الطاولة الثالثة في التفاوض ليس ضرورياً فقط، بل هو المخرج الوحيد باتجاه مرونة الحلول والخروج من وضعية الاستقطاب، وهي طاولة عليها الخروج من «الشخصيات» السياسية لتشكل اتجاهات يمكنها أن تقدم على الأقل رؤية لفهم سورية بعيداً عن كل المصطلحات القديمة.