زير النساء!
| فراس عزيز ديب
كانت أمام حديقة منزلها تسقي الورود، ألقيت عليها التحية كما عادتي كل صباح، لكن جارتي العجوز أجابتني بوجهٍ شاحب، وبردٍّ ناشف لم أعتد عليه، اقتربت منها وسألتها؟
هل أنتِ مريضة؟
أجابتني بالبرود ذاته، لا، لكنه صباح حزين بالنسبة لي، ألم تسمع؟ لقد ماتَ آلان ديلون!
أعترف دائماً بأن معلوماتي الفنية ضحلة في الفن العربي عدا العمالقة من مطربين وفنانين فما بالك بفناني أبناء القارة العجوز؟ لكن اسم آلان ديلون لم يكن غريباً عني مع أني لم أشاهد بحياتي أي مقطع لأحد أفلامه، القصة ببساطة أنني عدت بالذاكرة إلى أيام الصبا والشباب، حيث كنا ننعت كل مغرورٍ يظن بنفسه قاهر قلوب العذارى بمقولة: مفكر حالو آلان ديلون! دونما أن نعرف من هو ربما!
مع نهاية اليوم اكتشفت بأن ردة فعل جارتي العجوز لم يكن مبالغاً به، بل أكاد أجزم أنه منذ وفاة أسطورة الغناء الفرنسي جوني هاليداي نهاية عام 2017 لم أقرأ في عيون الفرنسيين ذاك الحزن على رحيل شخصيةٍ فنية، تحديداً عندَ كبار السن الذين يعتبرون كل من هاليداي وديلون رفيقاً لشبابهم، فالأول يمكننا اعتباره «عبد الحليم حافظ» بالنسخة الفرنسية إن كان لأغانيه العاطفية أو إطلالته المحبوبة، أما آلان ديلون فكان يحمل ألقاباً عدة من بينها وسيم السينما أو «زير النساء».
شخصياً تجاهلت المواضيع الفنية وبحثت في حياة هذا النجم عن أشياء مثيرة للاهتمام، بصراحة كل ما وجدته هو دعواته المتكررة للمشرِّع الفرنسي لاعتمادِ قانون الموت الرحيم كما هو الحال في سويسرا، أي إمكانية أن يضع الشخص حداً لحياته باختياره في عياداتٍ مختصة، عندما يدرك بأن رسالته قد انتهت أو عندما يعاني من مرضٍ عضال يذيقه علقمَ الآلام دون أن ينهي حياته، كما هو حال ديلون، أمعنت كثيراً بهذا المطلب وقاربتها مع الصور والمقالات التي شاهدتها خلال بحثي عنه، عبارة واحدة فقط كانت تراودني:
ما أقبحَ هذه الدنيا وما أقصرها!
شخص مثل ديلون كان يطلب الموت ولا يحصل عليه، تنسى كل هذا وتحاول الهروب من جلد الذات والمقاربات الروحانية لتتفاجأ بخبرٍ عن قيام مجرم بتصفية عائلة شقيقه بالكامل وبدمٍ بارد في إحدى قرى مصياف، ثم تتفاجأ وأنت تقرأ التعليقات التي تضحك وتسخر من المأساة فقط لأن اسم المجرم أو لقبه يشابه اسم بطل كاراتيه، تجاهلوا المأساة كأنه حادث روتيني وأخذتهم السخرية من الاسم، لدرجة تشعر معها بأن أغلبية المعلقين أحزنهم وفاة بطل مسلسل رمضاني درامياً، أكثر من حزنهم على حادثة كهذه أدت لوفاة عائلة بكاملها هل هي اللامبالاة؟ هل هو اعتياد الدم والألم، هل هو الظن بأننا محميون من اختبار القدر؟ بصراحة لا أعرف ما أعرفه فقط بأننا في قاع الجحيم، فمتى نتعظ؟!