برنامج بايدين الإمبريالي الجديد والقوى الصاعدة في مواجهته
| تحسين حلبي
يبدو أن سياسة وإستراتيجية إدارة جو بايدين بدأت تدل على التحضير لكل أشكال التصعيد الحربي المفرط على الساحات الإقليمية والدولية، فقد كشف محرر المجلة الإلكترونية «أنتي وور» ديف دي كامب، في 20 آب الجاري أن الرئيس الأميركي جو بايدين كان قد صدق في آذار الماضي على خطة إستراتيجية نووية بموجب ما نقلته أيضاً صحيفة «نيويورك تايمز»، في التاريخ نفسه تتضمن الاستعداد لحرب نووية أميركية متزامنة ضد روسيا والصين وكوريا الشمالية، ويذكر أن الإستراتيجية النووية الأميركية عادة ما يجري تحديثها كل أربع سنوات ضمن المحافظة على تفاصيلها بأقصى السرية، وقبل ذلك قال المسؤول الأميركي في مجلس الأمن القومي لمنع انتشار الأسلحة براناي فيدي في حزيران الماضي إن هذه «الإستراتيجية الجديدة تستهدف ردع روسيا والصين وكوريا الشمالية، لكنها تركز بشكل خاص على الصين واحتمال زيادة ترسانتها النووية من 500 صاروخ استراتيجي إلى 1500 خلال عشر سنوات مقبلة، ويذكر أن الرئيس الأميركي هاري ترومان كان أول رئيس أميركي وهو من الحزب الديمقراطي، يبرر لنفسه اتخاذ قرار باستخدام السلاح النووي حين ضرب اليابان بقنبلتين نوويتين في آب 1945 ودافع عن هذه الجريمة غير المسبوقة في تاريخ البشرية بالزعم بأن «هذا القرار أخلاقي لأنه سيفرض على اليابان الاستسلام»، ففي نهاية الحرب العالمية الثانية هزم الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة وموسكو ولندن النازية الألمانية في أوروبا ولم يعد في مواجهة أميركا في آسيا سوى اليابان القادرة على الاستمرار بحربها ضد أميركيا حتى ولو بطريقة الاستنزاف الطويل الأمد، فخافت الولايات المتحدة من هذه النتيجة على مصالحها الإمبريالية في تلك القارة إذا طالت الحرب ضد اليابان فقررت توجيه سلاحها النووي لتدميرها وردعها عن الاستمرار بالحرب.
وقبل أيام عقد الحزب الديمقراطي الأميركي مؤتمره وعرض فيه برنامجه السياسي للسنوات الأربع المقبلة كبرنامج انتخابي ملزم يستند إليه للفوز بالرئاسة في مواجهة الحزب الجمهوري، وحين يصبح القرار الأميركي بإبادة شعب باستخدام السلاح النووي أخلاقياً على غرار ما فعلته واشنطن ضد اليابان، فإنه من الطبيعي أن تحدد الإدارة الأميركية في وقتنا الراهن، وهي من الديمقراطيين أنفسهم، في برنامجها لعام 2024 استعدادها لاستخدام السلاح النووي، وبأن «بايدين يعد الصين المنافس الأكبر التالي ويلتقي بهذا التهديد مع وزارة الدفاع الأميركية التي تعد الصين أكبر خطر تواجهه واشنطن».
وحول الكيان الإسرائيلي يبين البرنامج أن الرئيس جو بايدين ونائبه كامالا هاريس يعتقدان أن «إسرائيل قوية آمنة وديمقراطية تشكل أهمية حيوية للمصالح الأميركية»، وأن التزامهما بأمن إسرائيل وبتفوقها العسكري النوعي وحقها في الدفاع عن نفسها وبما جاء في مذكرة التفاهم عام 2016 ثابت بقوة».
هذه هي الرسالة التي تقدمها واشنطن بوساطة برنامجها السياسي وهي بمنزلة إعلان حرب مستدامة على الشعب الفلسطيني الذي يذبح في كل ساعة ويوم أمام العالم، وأمام الأمة العربية والإسلامية وفي وضح النهار، فهل من سبيل لإيقاف هذه الوحشية الأميركية- الإسرائيلية؟
إن هذا البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي لا يختلف عن برنامج الحزب بعد قصف اليابان بقنبلتين نوويتين لإرهاب اليابان والعالم كله من وحشية السياسة الأميركية، فقد هنأ الديمقراطيون والجمهوريون هاري ترومان على هذا الإنجاز الوحشي الذي أطلقوا عليه الانتصار الحاسم على اليابان، لكن عالم اليوم يختلف عن عالم ما بعد آب عام 1945 ففيه دول نووية كبرى عالمية وأخرى إقليمية، ولن يكون بمقدور واشنطن تجاهل قدرات الدول الأخرى النووية وقوة ردعها في مواجهة هذه السياسة النووية الجديدة التي أعلن عنها بايدين في برنامج حزبه في شهر آب 2024 وكأنه يهدد بعودة استخدامه للسلاح النووي بهدف حماية مصالح واشنطن الإمبريالية الماضية نحو الزوال، وأن برنامج بايدين وحزبه في حماية جرائم إسرائيل والمشاركة فيها لم يجعل الشعب الفلسطيني يخاف ويوقف مقاومته المستمرة منذ قرن، وتزداد يوما تلو آخر القوى والدول التي تقف إلى جانبه ضد أكبر جرائم القرن ولا أحد يستبعد أن تتشكل قوة ردع عالمية في مواجهة الولايات المتحدة وبرنامجها الإمبريالي، فالعالم منقسم بشكل واضح بين قوتين إحداهما القوة الإمبريالية التي تحكمت بهذا العالم ومستقبل شعوبه طوال قرن، والأخرى قوة صاعدة تشكلها قوى كبرى وإقليمية تناهض الهيمنة الأميركية وتعد قدراتها من أجل بناء نظام عالمي جديد يخلو من هيمنة واشنطن وحلفائها، ويبدو أن المعركة بين هذين المعسكرين قد شقت طريقها وتحولت إلى عمليات استعداد ومجابهة في ميادين السياسة وربما القتال في مختلف أنحاء العالم، وقد آن الأوان للشعوب التي حاق بها الظلم طوال قرن أن تنتصر على كل أشكال التنكر الإمبريالي الاستعماري لحقوقها وتنتزع مستقبلها الحر.