قضايا وآراء

ثنائية الدور الصيني.. متأثر وصانع سلام

| د. مازن جبور

الحدث الفلسطيني يتمدد، ليصبح مُدخلاً ومُخرجاً في كل الملفات الإقليمية والدولية، ومنها الصراع الدولي على النفوذ، وبشكل خاص الأميركي– الصيني، وهو ما يجعل الصين طرفاً في الحدث الفلسطيني وفي أي حدث دولي وإقليمي آخر، من بوابتين، الأولى أنها أحد المتأثرين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والثانية أنها صانعة سلام في العالم.

فخلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، كانت الصين تدعو الأطراف المتنازعة، وعلى وجه الخصوص إسرائيل، إلى ضبط النفس ووقف الاعتداءات وحماية المدنيين، وذلك على الرغم من أن العلاقات الصينية الإسرائيلية ظلت قوية، بحيث كانت الصين توازن بين علاقاتها القوية بإسرائيل، وفي الوقت ذاته التشبث بموقفها المؤيد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وخلال الأعوام الأخيرة أخذت الصين تنخرط أكثر في القضية الفلسطينية، لكن بحذر شديد، فالعام الماضي استقبلت بكين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأعلنت رغبتها في التوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى زيارتها.

كما أبدت الصين استعدادها لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وعقدت اجتماعات للفصائل الفلسطينية في بكين لتقريب وجهات النظر بينها، فعقدت الجولة الأولى من المشاورات في شهر نيسان الماضي، ومن ثم عقدت الجولة الثانية في شهر تموز الماضي وأسفرت عن إعلان بكين، الذي تضمن بصورة أساسية تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية بشأن إدارة غزة بعد الحرب، علماً أن هذا الجهد الصيني على خط التوافق الفلسطيني قد تم رغم الضغوط الأميركية لمنعه، فتأجلت الجولة الثانية لهذا السبب، إذ لا ترغب الولايات المتحدة في تحقيق المصالحة الفلسطينية بالأساس، فكيف إذا كان الأمر سيتم عن طريق الصين؟ إذ إن الاتفاق على الأقل سواء نجحت في تطبيقه أم لم تنجح، سيظهر بكين للعالم على أنها راعية للسلام.

وفي حرب غزة الدائرة حالياً، لم يقتصر دور الصين على الدعوة إلى ضبط النفس ووقف الأعمال القتالية، بل بذلت مساعي إضافية لوقف الحرب، فرفضت إدانة المقاومة الفلسطينية على الرغم من الضغوط الأميركية والإسرائيلية، وأرسلت مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط، وعقد اجتماعات مع مختلف الأطراف المعنية، فضلاً عن لقاء سفيرها بقطر بقادة حماس، إضافة إلى الاتصالات والاجتماعات التي عقدها المسؤولون الصينيون مع نظرائهم الإسرائيليين والأميركيين، والمشاورات التي تمت بين إيران والصين لخفض التصعيد في المنطقة والعمل لوقف الحرب.

من المعروف أن الصين تلتزم سياسة العمل بصمت، لذلك من المحتمل أنها أدت دوراً في احتواء التصعيد في الشرق الأوسط، فعند الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق هاتف وزير الخارجية الصيني نظيره الإيراني، محاولاً التخفيف من التصعيد الذي قد يؤدي إلى جر المنطقة إلى الحرب، وعند اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، اتصل وزير الخارجية الصيني بالقائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، وأدان في الاتصال الاغتيال، وأكد حق إيران في الدفاع عن سيادتها، مع التأكيد هنا على طبيعة الرد، بحيث يكون مدروساً وحكيماً، وذلك لضمان عدم جر المنطقة إلى حرب مفتوحة.

يلحظ من السياسة الخارجية الصينية تجاه مجريات الشرق الأوسط، أن التصعيد ليس من مصلحتها، لما سيلحقه من ضرر كبير بمصالحها، إذ أنها تستورد معظم احتياجاتها من النفط من المنطقة، وكذلك فإن تعطيل الملاحة في المضائق البحرية في المنطقة سيؤثر في تجارتها، فضلاً عن أن الصين تريد الخير للمنطقة وشعوبها كما تريد الخير للعالم بأسره، فهي دولة راعية سلام على أساس مبدأ التشاور والبناء المشترك بينها وبين الدول الأخرى، ومن هنا يمكن أن نقدر وجود دور صيني كبير في منع التصعيد في المنطقة، ويمكن أن نقدر أن الصين من المحتمل أن تنخرط في حرب المنطقة من بوابة حماية مصالحها الاقتصادية، أي حماية طرق الملاحة البحرية التي تمر بها بضائعها، والتي تمر بها سفن النفط الذاهبة إليها.

وعلى الصعيد الدولي، لا بد أن الصين مدركة لمخططات واشنطن، فالحدث الأوكراني والحدث الفلسطيني، يشغلان الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الراهن، إذ تسعى إلى ضرب روسيا بما يسبب لها انتكاسة كبيرة، وهو ما يمكن فهمه من الهجوم الأوكراني الأخير على الأراضي الروسية، وفي حال تم هذا ستتمكن واشنطن من موسكو، وستتفرغ لتنفيذ مخططاتها في آسيا، وعلى رأسها إلحاق الأذى بالصين، لذلك فمن الضروري الآن الذهاب بسرعة نحو حلف أوراسي، يحقق التكامل بين دول آسيا.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن