الخبر الرئيسي

في كلمته تحت قبة مجلس الشعب: الصراع الدولي لم يهدأ يوماً عبر التاريخ وسورية ساحة أساسية من ساحات هذا الصراع … الرئيس الأسد يؤكد على الثوابت والمبادئ الوطنية وتطوير أداء المؤسسات

| الوطن

رسم الرئيس بشار الأسد ملامح المرحلة السورية القادمة، مؤكداً من جديد استمرار الدولة في نهج التغيير والتطوير، ومؤكداً في الوقت ذاته على ثوابت السياسة السورية في تعاطيها مع المبادرات وما ترتبه من خطوات سياسية عنوانها الأساسي الحفاظ على السيادة ومعيارها السيادة، رغم ما يحيط بسورية من صراع دولي لم يهدأ يوماً وكانت فيه البلاد عبر التاريخ، ساحة أساسية من ساحات هذا الصراع.

الرئيس الأسد وفي خطاب له أمام مجلس الشعب بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الرابع، تطرق إلى الدور المناط بالمجلس، مؤكداً أنه هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، مشدداً على أن الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يغذَ بالعمل الدؤوب والإنجاز والإثمار، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن للمجلس دور محوري في قيادة الحوار والحراك ومواجهة التحديات، وبحاجة ماسة إلى تطوير نظامه الداخلي.

وأوضح الرئيس الأسد في خطابه أمام المجلس أن الأزمات الاقتصادية الحادة هي حالة نقص مناعة غير ظاهرة للعيان، وتأتي الحروب لتظهر هذه الحالة من الضعف، وحدّتها، وعلينا أن نبحث في عمق توجهاتنا الاقتصادية التي اتبعناها على مدى عقود وتحديد الحلول الأكثر مناسبة والأقل ضرراً لنا في سورية.

وأشار الرئيس الأسد إلى أن التطوير يبدأ بتصحيح المفاهيم العامة التي تشكل القاعدة الأساسية لعمل المؤسسة، لافتاً إلى أن الحصانة لا يعني أن يكون صاحبها فوق القوانين والأنظمة، بل تعني أن يكون الأعضاء سباقين إلى تطبيق القوانين والخضوع لها، باعتبارهم مسؤولين عن إصدارها وسلامة تطبيقها.

وشدد الرئيس الأسد على أن الرقابة ليست حالة مؤقتة أو مزاجية أو رأياً شخصياً، بل هي أداة منهجية ثابتة من أجل قياس الأداء وقياس الإنجاز، مشيراً إلى أنه علينا مجتمعين كأبناء هذا الوطن أن نحدد التوجهات العامة التي نعتقد أنها مناسبة، ولنترك للسلطة التنفيذية تحديد آلية التنفيذ بعد أن نناقش معها الأدوات، وعندها يمكن تحميل السلطة التنفيذية مسؤولية النجاح أو الفشل، فكل حل يحمل في طياته عيوباً وسلبيات في الأحوال العادية، فكيف يكون الوضع في ظرف مثل ظروف سورية القائمة، أو ظروف المنطقة، أو ظروف العالم الراهنة؟ بكل تأكيد ستكون السلبيات أكبر، والخيارات الصعبة لا تعني الاستحالة، لا تعني أنه لا يوجد إمكانية لتجاوز هذه الظروف ولو بشروط صعبة، ولا تعني عدم وجود ما نقوم به من أجل تحسين الأحوال، كي لا يفهم الطرح بالمعنى الإحباطي بأنه «لا يوجد أمل لا يوجد حل أبداً».

الرئيس الأسد أكد أن الخيارات الصعبة لا تعني الانقلاب على سياساتنا ولا تعني الانقلاب على التزامات الدولة تجاه المواطنين، ونحن لن نخلع عباءتنا الاشتراكية، سنبقى في المكان نفسه، ولكن هذه العباءة لا يمكن أن تكون عباءة جامدة مقيدة، لا يمكن أن تكون قالباً، يجب أن تكون متحركة ومرنة حسب الظروف، مشيراً إلى أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي تقريباً كل شيء، في كل مجال. لذلك هي جزء أساسي من الاقتصاد أكثر من كونها مشروعاً، وهي عصب الاقتصاد للدول الكبرى، ولكن في ظروفنا تصبح أكثر أهمية، فنحن مجتمع نامٍ، مجتمع زراعي، وهي مهمة للمجتمع الزراعي، بالإضافة لأننا لسنا دولة صناعية كبرى وسورية بالمدى المنظور مثلها مثل الكثير من الدول بحجمها وبإمكاناتها، لا يمكن أن تكون دولة صناعية كبرى، يمكن أن تكون ناجحة اقتصادياً هذا موضوع آخر، ولكن ليس بالضرورة بالصناعات الكبرى فمن الطبيعي أن تكون المشاريع الصغيرة أكثر مناسبة لاقتصادنا.

وفيما يخص السياسات الخارجية للدولة، لفت الرئيس الأسد إلى أن الصراع الدولي لم يهدأ يوماً عبر التاريخ، هو يخمد لكنه لا ينطفئ، واليوم نعيش مرحلة من مراحل تصاعده، صراع الغرب مع بقية العالم، قوى الهيمنة والإرهاب مقابل قوى السيادة والاستقرار، ولكونه أشمل جغرافياً وقطاعياً من حروب القرن الماضي، فهو أكثر تعقيداً وأعمق تأثيراً على العالم، وبالتالي لا خيار لأحد على الإطلاق أن يتجنب تأثيرات هذا الصراع، وقال: سورية ساحة أساسية من ساحات هذا الصراع تتأثر بتوتره صعوداً وهبوطاً، والخيار أمامنا هو بين أن نتأثر فقط أو أن نؤثر في مجرى الأحداث داخل حدودنا الوطنية بالحد الأدنى، وقدرتنا على ذلك لا تتوقف على توازن القوى العسكرية والاقتصادية والتقنية على أهميتها، بمقدار ما تتوقف على توازن الإرادة مع الأعداء، هذا التوازن ينطلق من الإيمان بقدراتنا الوطنية، ويكتمل بالعمل الجاد لتحقيق أهدافنا بأيدينا، بالعمل، بالإنتاج، بالبحث عن حلول، برفض المستحيل، برفض الخضوع للإحباط والاستكانة للظروف، بدل العمل على تغييرها.

واعتبر الرئيس الأسد أن غزة قدمت مَثلاً أعاد إلى تلك الأجيال صحوتها، فبدأت ترى وتقرأ الواقع بطريقة مختلفة عما عمل عليه الغرب لقرون طويلة، عصور من الوهم أسقطتها ساعات من البطولة وأشهر من الصمود، لأنها أسست على قرون من الانتماء، لذلك كانت ردة فعل الغرب الهستيرية غير المسبوقة، التي أكدت أن إسرائيل هي مجرد جزء من مشروع استعماري، إذا سقطت يسقط معها المشروع.

الرئيس الأسد أشار في خطابه إلى المبادرات التي طرحت بشأن العلاقة مع تركيا والتي تقدم بها أكثر من طرف: روسيا، إيران، العراق، مبيناً أن سورية انطلقت في تعاملها مع هذه المبادرات من مبادئها ومصالحها، وهذه المبادئ والمصالح لا تتعارض عادة بين الدول المتجاورة في حال كانت النيات غير مؤذية، فالسيادة والقانون الدولي يتوافق مع مبادئ كل الأطراف الجادة في حل المشكلة، أما استعادة العلاقات الطبيعية كنتيجة للانسحاب والقضاء على الإرهاب فهي مصلحة مشتركة لأي شعبين جارين، مشدداً على أن الرغبة الصادقة في استعادة العلاقات الطبيعية تتطلب أولاً إزالة أسباب تدمير هذه العلاقة، وهذا يتطلب التراجع عن السياسات التي أدت إلى الوضع الراهن، وهي ليست شروطاً، وإنما هي متطلبات من أجل نجاح العملية، وهذه المتطلبات تحمل في داخلها الكثير من العناصر المهمة، ولكن في مقدمتها حقوق الدول، ونحن كبلد لن نتنازل عن أي حق من حقوقنا في أي ظرف من الظروف، ولن نتخلى عن حقوقنا ولن نطالب الآخرين بالتخلي عن حقوقهم، وهذا منطق واحد.

وقال: ما يصرح به المسؤولون الأتراك بشكل مستمر هو موضوع اللاجئين وموضوع الإرهاب، وما تصرح به سورية بشكل مستمر هو موضوع الانسحاب من الأراضي السورية وموضوع الإرهاب أيضاً، نحن لا نعتقد بأنه لدينا مشكلة في كل هذه العناوين الأربعة سواء العناوين السورية، أو العناوين التركية، ويفترض ألا تكون هناك مشكلة، حسب ما يعلن عنه بعض المسؤولين الأتراك في العناوين السورية طالما أنه لا توجد نيات سيئة كما يقولون.

وتابع: عندما يتم الاتفاق على هذه العناوين يجب أن يصدر بيان مشترك من خلال لقاء بين المسؤولين في الطرفين بمستوى يحدد لاحقاً، هذا البيان المشترك يتحول إلى ورقة تشكل ورقة مبادئ هي التي تشكل القاعدة للإجراءات التي يمكن أن تتم لاحقاً بالنسبة لتطوير العلاقة أو الانسحاب أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من العناوين التي تهم الطرفين.

وأضاف: غير صحيح ما يصرح به بعض المسؤولين الأتراك من وقت لآخر، بأن سورية قالت إن لم يحصل الانسحاب فلن نلتقي مع الأتراك، هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع، نحن نعمل في هذا الموضوع بشكل منهجي وبشكل واقعي، المهم أن يكون لدينا أهداف واضحة ونعرف كيفية السير باتجاه هذه الأهداف، وأياً تكن الخطوات المحتملة فسيكون أساسها السيادة، وحدودها السيادة، ومعيارها السيادة أيضاً.

الجولان كان حاضراً أساسياً في خطاب الرئيس الأسد، حيث أكد أن أبناء الجولان برهنوا أن غياب السيادة عن أرضه لا يعني سقوط الوطنية من وجدان شعبه بل يعني التقاءها في قيمه وأن احتلال الأرض لا يعني بيع العرض وأن الوطنية ليست مظهراً ولا ادعاء بل انتماء متجذراً ووفاء وولاء.

وختم بالقول: أكثر من ستة عقود مقاومين تحت الحصار المطبق، قاوموا الضم الجائر والهوية الصهيونية الفاشية والمحتل الباغي، كانوا وما زالوا راسخين في الموقع، ثابتين بالاتجاه، رافضين أن تخفق قلوبهم وتحيا أرواحهم إلا لسورية ومن أجلها، حتى يعودوا إليها وتعود إليهم، فلنا بهم وبأبناء الوطن المدافعين عنه، والشهداء وعائلاتهم وجرحانا الأبطال وبكل سوري أبي بذل وضحى ولم تُكسر إرادته، تحمل المعاناة وتألم ولم يبع كرامته، وبالمقاومين في لبنان وفلسطين والعراق واليمن أسوة وقدوة وأنموذجاً ومثالاً نقتدي به في طريق التحرير طريق الكرامة والشرف والاستقلال الناجز.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن