من دفتر الوطن

من أجل حفنة من الدولارات!

| عصام داري

يقول المثل الشعبي: بعد الكبرة جبّة حمرا، ويضرب هذا المثل عندما يتصابى الشيوخ ويحنون إلى أيام الشباب والصبا ويحاولون القيام بأفعال ومغامرات لا تليق بأعمارهم.
هذا ما يحصل معي هذه الأيام، فبعد الكبرة جبة حمرا وليلكية مزركشة بالألوان الفاقعة والبريق والسيلان والخرز وسواها من لوازم التطريز والتجهيز!.
فبعد أن جددت قلبي بثلاثة شرايين من الوكالة بعد تلف الشرايين السابقة، وبعد إجراء صيانة عامة على جسدي المتهالك، وجدت أنني عدت إلى عهد الشباب وقررت الزواج من شابة في العشرينيات من عمرها.
سألني صديقي: كيف ستتزوج والزواج يحتاج إلى مال قارون ودولارات أوناسيس وأيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وغيرهم؟ فقلت له: لقد هبطت عليّ ثروة هائلة من عملي في تجارة المازوت والبنزين والغاز وبقية المحروقات التي تحرق الشعب العظيم، ومن الانتفاع من المال العام-سأعيد هذا المال في يوم ما!- واستغلال الظروف التي يمر بها بلدنا، والحمد لله اليوم أملك أموالاً تجعلني قادراً على تطبيق شرع اللـه تعالى، لكنني حالياً أريد زوجة واحدة تجدد لي شبابي.
المهم، بعد بحث كثير قام به الأصدقاء والأقارب و«النباشون» بلغت غايتي وعرفوني على صبية بعمر الورد جميلة ونحيلة تقول للقمر انهض لأجلس مكانك!.
لكن المشكلة أن العروس الجديدة تريد أن نقيم الزفاف في قلعة ويندسور العريقة، التي تعتبر من أقدم القلاع في العالم، وهي قلعة في بريطانيا كما تعرفون، لكنني تحفظت على اختيار المكان، لأن القلعة دفن فيها نحو اثني عشر ملكاً من ملوك بريطانيا، كان آخرهم الملكة إليزابيت الثانية قبل عامين، أي في عام 2022، فهل نقيم زفافاً ينبض بالحياة وسط الأموات؟!
العروس الجميلة رفضت حججي، وبعد أخذ ورد وافقت على إقامة حفل الزفاف في قلعة الحصن باعتبارها من أهم قلاع العالم التي أقيمت في العصور الوسطى، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فحتى لو حصلنا على موافقة مديرية الآثار والمتاحف ووزارة الثقافة والإرشاد القومي، علينا أن نقوم بإعادة تأهيل القلعة التي تعاني من الإهمال مثلها مثل غيرها كقلعة صلاح الدين في اللاذقية.
ولا أدري هل أنا بحاجة لموافقة وزارة السياحة والتربية والتعليم ووزارة التموين وحماية المستهلك التي تصدر قرارات ليلية، لأن القرارات الليلية تستر العيوب كما تغني نجوى كرم.
من الطبيعي أن ألبي رغبة عروسي الجميلة، فأنا بعد أن أصبح من أثرياء الحرب صار بإمكاني الحصول على أي موافقة ليس فقط استئجار قلعة هنا أو المسرح الروماني في بصرى التاريخي، بل على استئجار مؤسسة أو وزارة من الوزارات، مادام كل شيء بثمنه، فنحن نؤجر القلعة أو المسرح لتمويل ترميم بعض الآثار والأوابد التاريخية التي تنتشر في طول البلاد وعرضها، وأن نستقدم الفاضلة نجوى كرم وعبير نعمة وهاني شاكر وحتى عبد الحليم حافظ.
سألت نفسي: هل يوجد دولة في العالم تؤجر أو تعير تراثها الحضاري والتاريخي مقابل حفنة من الدولارات؟ ورحم اللـه كلينت إيستوود وفيلم «من أجل حفنة من الدولارات»!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن