قضايا وآراء

رد حزب اللـه ومعادلة الردع الجديدة

| علي عدنان إبراهيم

بعد شهر من الاستنفار الإسرائيلي انتظاراً لرد حزب اللـه على جريمة اغتيال القيادي فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، جاء الرد قوياً ومرناً ودقيقاً، ويحمل الكثير من الرسائل، والأهم من ذلك كله، يرسخ لمعادلة ردع جديدة بعد انهيار المعادلات السابقة وتجاوز الخطوط الحمر من قبل الإسرائيليين عدة مرات خلال الأشهر العشرة الماضية.
وعلى الرغم من بعض الاتهامات التي يسوقها كارهو حزب اللـه من قبيل أن الرد كان ضعيفاً ولم يحقق نتائج تذكر ولم يتمكن حزب اللـه من تصوير العملية على الرغم من تصويره سابقاً الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر فيديوهات الهدهد الثلاثة، وكذلك القدرة الإسرائيلية على إحباط الهجوم من خلال الضربة الاستباقية التي وجهتها إلى جنوب لبنان قبل ربع ساعة من الرد، ومن تجرأ أيضاً على القول إن الرد كان منسقاً بين الحزب وإسرائيل عبر وسطاء أميركيين لفك الاستنفار في المنطقة وإنزال الجميع عن الشجرة، إلا أن الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه فنّد في خطابه اللاحق للرد جميع هذه الاتهامات وعرّى حكومة الكيان أمام جمهورها ومحبي إسرائيل، حيث بدأ خطابه بتفسير أسباب التأخر في الرد والتي استباحها محللو السياسات خلال الأسابيع الفائتة بقولهم إن حزب اللـه ليس مستعداً للحرب حاله كحال محور المقاومة، ليؤكد نصر اللـه أن الأسباب تعلقت بحجم الاستنفار الإسرائيلي والأميركي الهائل وتسخيرهم كل الإمكانات فوق جنوب لبنان وخاصة خلال الأيام الأولى من عملية الاغتيال ما يعني إمكانية إخفاق الرد في حال تنفيذه حينها، والأهم كان إعطاء فرصة لمفاوضات الدوحة التي أطلق عليها اسم «الفرصة الأخيرة» والتي رفضها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كجميع المبادرات السابقة للحل، ومنح فرصة أخرى لمفاوضات القاهرة التي بانت ملامحها المريضة منذ الساعات الأولى، فجاء الرد من قبيل فهم أن إشغال العالم بهذه المفاوضات ليس سوى مناورة من نتنياهو لكسب الوقت ومحاولة الوصول إلى الأسرى ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار في غزة والظهور بمظهر البطل المخلص للإسرائيليين الذين يتظاهرون ضده الآن مطالبين بإسقاط حكومته.
نصر اللـه كشف خلال خطابه، إستراتيجية المقاومة في العمل العسكري خلال الرد على العدو مؤسساً لقاعدة «تحييد المدنيين» وموجهاً بذلك رسالة لحكومة الكيان بأن مستوطنيها لم يكونوا هدفاً لصواريخ الحزب ومسيراته فلتكفّ شرورها عن المدنيين اللبنانيين، ومؤسساً أيضاً لعدم عشوائية الاستهداف حيث أكد أن الأهداف التي تم اختيارها كانت مشاركة بشكل مباشر في عملية الاغتيال، فلا أهداف عشوائية لمجرد إظهار القوة ولا ضياع للهدف الرئيسي من عمل جبهة الإسناد اللبنانية ككل، وهو وقف الحرب في غزة، أما عن جبهات الإسناد الأخرى في اليمن والعراق وإيران وتماهيها معاً في الرد على العدو، فكان كلام نصر اللـه واضحاً بأن المشاورات بين جبهات المقاومة خلصت لأن يكون رد كل منها على حده لحكمة ستعرف قريباً، والمتوقع أن رداً متعدد الجبهات سيرقى لأن يكون بمنزلة شرارة لحرب شاملة تجر الأميركي للتدخل العسكري المباشر لمصلحة إسرائيل ما يدفع المنطقة لحرب كبرى الجميع سيتأذى منها بشكل كبير، بينما الهدف استمرار استنزاف إسرائيل اقتصادياً ونفسياً حتى يحدث الانهيار من الداخل، وعلى هذا الأساس فإن الردود المنفردة ستبقي على الكيان مستنفراً دون نوم أو راحة ومستنزفاً في جيشه واقتصاده وجبهته الداخلية، ولذلك جاء بيان جماعة أنصار اللـه اليمنية عقب رد حزب الله، ليجدد التأكيد أن «الرد اليمني حتمي وقادم لا محالة»، وكذلك تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي «لا نسعى إلى زيادة التوتر في الشرق الأوسط.. وردنا على اغتيال (رئيس المكتب السياسي لحماس) إسماعيل هنية سيكون حاسماً ومحسوباً».
وفيما يخص الاستعراض الكلامي من قبيل أن إسرائيل استبقت الرد بقصف مكثف وما تنطح له نتنياهو بالقول إن 100 طائرة حربية من قواته دمرت 6 آلاف منصة إطلاق صواريخ كانت مجهزة في جنوب لبنان وما سُوِّق له بعد ذلك على الفضائيات الداعمة لإسرائيل بأن المقاومة خسرت الرد قبل أن تبدأه بفضل الذكاء الاستخباراتي الإسرائيلي والإمكانات المتقدمة وما شابه ذلك، وضعه نصر اللـه جانباً وأكد أن المقاومة أطلقت 340 صاروخ كاتيوشا على 11 هدفاً لإشغال القبة الحديدية قبل أن تطلق مسيراتها التي عبرت جميعها الحدود بسلام وواصلت رحلتها في أجواء فلسطين المحتلة للانقضاض على قاعدة عين شيمر الجوية البعيدة عن حدود لبنان 75 كيلومتراً والهدف الرئيس في غليلوت، «شعبة الاستخبارات العسكرية – أمان» الملاصقة لتل أبيب، والبعيدة عن حدود لبنان أكثر من 110 كيلومترات وبذلك يكون الحزب قد أحرز عدة أهداف معاً أولها إعلام الإسرائيليين أن ترسانة الأسلحة البسيطة قادرة على تجاوز حيفا وما بعد بعد حيفا، فكيف بالصواريخ البالستية والإستراتيجية التي نفى نصر اللـه استخدامها لكنه لم ينف ذلك مستقبلاً، وثانيها أن الداخل الإسرائيلي من منشآت حساسة ومواقع شديدة الحساسية جميعها تحت مرمى نيران المقاومة، وثالثاً والأهم، أن أي منشأة أو موقع عسكري يشارك في عملية ضد لبنان عليه أن ينتظر رداً مؤلماً ويبقى متيقظاً ما يهيئ لفرض معادلة ردع جديدة لكن هذه المرة من جانب حزب اللـه لا من جانب إسرائيل التي بات مسؤولوها قبل مستوطنيها مسلّمين بضياع الشمال.
نصر اللـه أطل على الجانب الاقتصادي من منظور الجبهة المشتعلة وأكد أن ما تخسره المقاومة في حال تمكن العدو من استهداف إحدى منصات إطلاق صواريخ الكاتيوشا في جنوب لبنان لا يتعدى 10 آلاف دولار أميركي لكل منصة في أحسن الأحوال، وما تمت إصابته بغارات العدو هو منصتان فقط أي إن حجم الخسائر المادية للحزب لم يتجاوز 20 ألف دولار أميركي، على حين كشف موقع غلوبس العسكري الإسرائيلي أن الغارات التي سبقت رد حزب اللـه كلفت 120 مليون دولار أميركي ما بين ثمن 4 آلاف قنبلة تم إسقاطها في الوديان الخالية وكلفة تشغيل 100 مقاتلة حربية، ما يشي بحجم النزيف الاقتصادي الذي تعانيه إسرائيل والذي إن استمر وقتاً أطول فسيؤدي حتماً إلى نتائج كارثية عليها، أما الخسائر البشرية فأعلن نصر اللـه ارتقاء مجاهدين من حزب اللـه ومجاهد من حركة أمل، بينما لم يصب أي مدني بأذى، وعلى المقلب الآخر أعلنت وسائل إعلام العدو مقتل جندي وإصابة عدد آخر جراء صاروخ استهدف زورقاً حربياً على اعتبار أن هناك من صور الاستهداف ونشره وصار لزاماً على جيش الاحتلال الاعتراف به، إلا أن محللين عسكريين أكدوا أن انفجار صاروخ كهذا في زورق يحمل ضابطاً و4 جنود لا بد أن يفنيهم تماماً، ويضاف هذا إلى المعلومات التي تخفيها قيادة جيش الاحتلال عن مستوطنيها وعن العالم لإظهار أن ضربات المقاومة ليست بهذا التأثير الكبير.
وفي ختام خطابه ركز الأمين العام لحزب اللـه على نقطتين أساسيتين تظهران معاً حجم الردع الذي تحقق، دعا في الأولى اللبنانيين للعودة إلى حياتهم وأعمالهم بعد تنفيذ الرد لأن إسرائيل لن تجرؤ على التمادي بعد ذلك خوفاً من وعيد برد آخر يزيد من استنزافها، أما الثانية والأهم هي ما تحقق من قصف الهدفين داخل الكيان ووضع حكومة نتنياهو أمام خيارين مرين فإما أن تكشف حجم الأضرار التي لحقت بالهدفين، على الرغم من الفضيحة التي ستتلقاها بسبب ذلك، وفي حال أرضت النتيجة الحزب فإنه سيغلق صفحة هذا الرد نهائياً، وإما أن تستمر بالتعتيم على الأضرار فيبقى الرد معلقاً ويبقى الحزب مستعداً لإكمال ما بدأه وعلى حكومة نتنياهو وجيشه الوقوف مجدداً على رجل ونصف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن