ثقافة وفن

اعرف وجهك الآخر.. حالات من الطب النفسي الواقعي

| هبة اللـه الغلاييني

كتاب (اعرف وجهك الآخر)، هو للدكتور (يوسف الحسني). وهو طبيب اعتمد على المنهج التحليلي لاستعراض واقعية ما يعانيه المرضى خلف أبواب العيادة بأسلوبه الشخصي-التحليل النفسي الطبي الواقعي- وهو نتاج بحثه في العلاج السلوكي الإدراكي والتحليلي، وفي مجال الطب والطب النفسي، علم النفس والاجتماع والفلسفة.

أسرياً، سترى هذا الوجه متستراً خلف أب سايكوباثي، لم يعرف معنى الرحمة أو التعاطف يوماً، أو أم نرجسية لم تترك سوى أداة لحاجاتها، أو أب علاقتك به ما زالت رسمية، أو خاضعة لقوانين الأب، ولم تعرف يوماً الوقوف بوجه هذا الطاغية لأجلك، أو في أب كان يعاملك بصمت واحتقار كلما أخطأت، أو أم ازدواجية تنصحك بسلوك وأنت تعرف يقيناً أنها تمارس عكسه. ستجد أنه خلف قناع القدسية الذي ألبسته لهما، توجد إجابات كثيرة، إجابات تمهد الطريق لوصولك إلى وجهك الآخر، وتكشف لك عن تشوهات نفسية قد تكون أحياناً أشد خطراً من التشوهات الخلقية.

عاطفياً، سترى الوجه الآخر في نمط تعارف وخوفك من البشر، في بحثك عن علاقة عابرة لملء تشوف قلبك الخاوي، في اندفاع بمشاعر لا تمثلك بسبب الجوع للعاطفة، في محاسبة ولوم الشريك لخوفك المرضي من تخليه. في تعلقك بمن لا يكترث بك ورفضك لمن يتقبلك، في إدمان عاطفي يعطيك نشوة لحظية، وكالمرض المزمن يرهق روحك، في شك نابع من فقدان للأمان في ذاتك. نعم العاطفة ستكشف زاوية لم تواجهها بصراحة وصدق من هذا الوجه الآخر.

العلامات الحمراء في التعارف

هل هناك علامات حمراء يجب أن تكون المرأة حذرة منها؟

– الاندفاع بالشعور، كالمدح المبالغ فيه والتوتر على مدار الساعة.

– سلوكيات اللاأمان والحاجة. البحث عن توكيدات الحب وعدم التخلي.

– التمادي بعد وضع الحدود.

– علاقة سابقة، جرى إنهاؤها خلال ٤- ٦ أشهر، كثرة الحديث عن العلاقة السابقة، ذم الشريك السابق.

– الغضب، الانفعال السريع على التوافه.

– ردات فعله وقت المشكلات بينكما يجب أن تحذر منها: أسلوب الندية، الضحية، التعامل الصامت، تهميش المشكلة وكأن شيئاً لم يحصل، اللوم المعاكس، وقلب الخطأ عليك وكبرياء الاعتذار.

– الغيرة التسلطية، والشك، الحياة مع صاحب هذه العقدة جحيم.

– اللااكتراث، والبرود، من تواصل قليل، أو استماع لا مبال، أو كثرة الأعذار أو نسيان تفاصيل مهمة. إضافة إلى التأجيل المتكرر للمقابلات أو المواعيد.

– اعتمادي على أسرته، كتاب مفتوح للأسرة بكل تفاصيل حياته، وقراراته تستمد منهم.

– تعامله مع البشر الآخرين وحديثه عنهم.

– حديثه عن كيف سيغيرك في المستقبل لتكوني كما يريد هو.

– عقدة المادة، كوني حادة التركيز بكيف يعامل الشخص المال، فشحيح المادة، شحيح العاطفة.

– السلبي النكدي، التذمري، المتشائم، صاحب مخيلة النتيجة الأسوأ في كل شيء.

– يتواصل بالرسائل النصية لكي يتجنب الاتصال.

– الانسحابات المريبة، ينسحب فجأة من العلاقة لأسبوع ويظهر مرة أخرى بلا تبرير واضح.

– المدمن، حالي، أو سابق، إذا كان سابقاً يجب التحقق من الأمر، فالكثير يدعي أنه مدمن سابق، لكنه ما زال يتعاطى. أما من تشافى وخلق حياة تمثله فهو ليس ضمن القائمة.

التحايل العاطفي والضمان

هل أخطأت التقدير حين صدقته بكوني مميزة لديه؟

قاعدة نفسية: تسقط أقنعة البشر بعد فترة لا تقل عن أربعة أشهر، فكل ما يقوله ويفعله الشخص قبلها لا يعتبر حقيقياً إلا بعد أن يصاحب بثبات واستمرارية لفترة لا تقل عن ثمانية شهور.

قواعد العلاقات لا يعرفها في مجتمعنا إلا القليل، ومن يعرفها فعليه الالتزام بها وتطبيقها في واقعه. لا تتوقع أن يلتزم الشريك القواعد نفسها، لكن اعرف أنك من خلالها تستطيع أن ترى ما وراء الكواليس، هو كان يحاول التلاعب بإقناعك أنه يعرف الاندفاع ويعرف أن هذا شيء آخر روحاني مختلف، لأنه يعرف أن المفتاح للدخول لشخص عاطفي مثلك قصة روحانية أسطورية، فهذا ما تودين تصديقه أيضاً في أعماقك لأنك في النهاية انسقت مع ما يريد ولم تطبقي القواعد.

عقدة الهيرو

أحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها المبتدئون في عالم العلاقات هو لعب دور البطل– عقدة الهيرو- في محاولة انتشال الآخر من ألم علاقته الأخرى أو إصلاح علاقته الأخرى، لا تتدخل بالإيجاب أو السلب في علاقة الآخر، بل كن واضحاً بأنك لن تقبل الوجود معه حتى كصديق إذا كنت منجذباً له وبأنك ستبتعد إلى أن يحل مشكلاته وينفصل ويتعافى مما مر به. أن تكون صديقاً لشخص أنت معجب به هذه وصفة لتعلق آت عاجلاً أو آجلاً، فكن صادقاً مع شعورك واضحاً مع نفسك.

التصالح مع الطفولة

ليعرف الإنسان نفسه ويفهم عقده ونواقصه واحتياجاته، لا بد أن يطرق باب الطفولة ويعرف الخيوط اللاواعية التي كانت تنقش على عقله وترسم ملامح ما يسميه واقعاً.

الخطوة هذه ضرورة ولا يمكن لأي باحث عن ذاته الاستغناء عنها.

أن تتصالح يعني أن تواجه ما حدث كما حدث بلا تزييف أو تضليل أو تجميل، نواجه الواقع وليس ما نأمل أن يكون الواقع، نواجه بلا كذب على أنفسنا وبلا هروب من الحقيقة.

الخطوة الأولى في التصالح هي إعادة إحياء التجارب بالحديث عنها بشكل تفصيلي، فكل صدمة أو موقف مؤذ بدر من الأب أو الأم يجب أن يذكر باستشعار كامل لما حدث، كن متيقناً أنك حين تستشعر ما حدث ستتألم وسيتفرغ انفعال كان مكبوتاً منذ زمن، انفعال لو ظل مكبوتاً لظهر بصور بشعة في واقعك اليوم.

الخطوة الثانية هي تحديد عمق العلاقة الحقيقية معه. مدى احترامه لحدودك، مواقفه التراكمية، تقبله لك، كمية الألم والكبت في العلاقة.

الخطوة الثالثة هي مواجهة الشخص بما حدث وإعادة تشكيل الحدود معه.

هذه الخطوة التي يحاول الكثير من العلوم الزائفة التهرب منها، لأنها الأصعب تطبيقاً، عندما تواجه بشعورك وكأنك تعود إلى الموقف الذي كان يجب أن تواجه فيه ولكنك كنت صغيراً ولم يعلموك فن المواجهة فيه، تعود وتواجه بحقك وتضع حداً، أن تشارك أبويك بالإساءات التي بدرت منهما بشكل واع أو لا واع، لتعرف هل هما نادمان على ما حصل، ويتمنيان الرجوع إلى تلك اللحظة لإصلاح ما حدث، أو يسخفان مشاعرك والاستهزاء منك لحديثك عن ماض انتهى بالنسبة لهما، لكنه حفر بئراً من النار في قاعك لا يمكن إخمادها.

والكتاب أيضاً ذاخر بالكثير من النصائح والتجارب الاجتماعية، وفيه الكثير من الشواهد من قلب الحقيقة التي يمكن أن نستفيد منها، كي نتجنب أي موقف خاطئ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن