نصر اللـه للإسرائيليين: قد يأتي اليوم الذي نجتاحكم بفرقة موسيقية
| عبد المنعم علي عيسى
في أعقاب «عملية الأربعين» التي نفذها «حزب الله» فجر الأحد المنصرم رداً على استهداف تل ابيب للضاحية الجنوبية يوم 30 تموز الماضي الذي استشهد فيه قائده البارز فؤاد شكر، ألقى الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، خطاباً قال فيه «كنا نحتاج إلى بعض الوقت لدراسة إذا ما كان المحور كله سيرد، أو أن كل جهة ستكون وحدها، وكذلك تريثنا لإعطاء الفرصة للمفاوضات لأن هدفنا هو وقف العدوان على غزة».
كان هذا المقطع من خطاب نصر اللـه لفهم طبيعة الرد الذي أراده الحزب انتقاما لاستهداف معقله واستشهاد قائده الأبرز، فالفعل جاء منسجماً مع الإستراتيجية التي اختطها الحزب لنفسه منذ 8 تشرين الأول الماضي اليوم الذي تلا عملية «طوفان الأقصى» التي شنتها المقاومة الفلسطينية والتي لم تهدأ نيرانها بعد، ومن الواضح أن الرد، وكذلك طبيعة الأهداف المختارة، يشيران إلى أن الحزب لم يكن يريد الذهاب نحو حرب شاملة لا تبدو الظروف الداخلية، ولا الإقليمية أو الدولية، مشجعة على خوضها، لكن في الآن ذاته لا يريد البقاء عند «السقف» الأخير الذي اختطته تل أبيب عبر استهدافها للضاحية أواخر الشهر الماضي، ولذاك أهمية كبرى في تحديد ورسم القواعد الناظمة لطبيعة التصعيد الحاصل التي جهد الحزب من خلالها على تأكيد حقيقة مفادها أن جبهة الجنوب اللبناني ستظل نشطة، ولا سبيل لاستعادة الهدوء إليها، إلا عبر إخماد حريق غزة، ووقف جرائم كيان الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية على حد سواء.
كانت إستراتيجية الحزب غير المعلنة، وإن كان من السهل لحظها في السلوك، هي الإبقاء على جبهة الكيان في الشمال في حالة تحفز دائم، الأمر الذي يعني بذل هذا الأخير لجزء وازن من جهده الأمني والسياسي والعسكري على تلك الجبهة، ومن حيث النتيجة كان فعل الإبقاء آنف الذكر قد شكل جداراً إسنادياً للمقاومة في غزة، والشاهد هو أن تلك الإستراتيجية لم تتغير على مدار أشهر الحرب التي قاربت أن تدخل شهرها الحادي عشر على الرغم من الأكلاف الباهظة التي تكبدها الحزب، على الرغم من الضغوط التي تنوعت ما بين الداخلي والإقليمي والدولي، والتي وصلت في مرات عدة للتهديد بـ«محو لبنان» مما كان يشتم من الرسائل التي كان ينقلها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين في أثناء زيارته المكوكية ما بين لبنان وكيان الاحتلال، والراجح هنا أن مرامي هوكشتاين لم تنجح، فلا هي أصابت في خلخلة الجبهة اللبنانية الداخلية ومعها حاضنة الحزب، ولا هي استطاعت اللعب على العامل النفسي للوصول إلى أهدافها من دون حرب.
أثبتت «عملية الأربعين» أن الحزب لم يغير مواقفه، ولا هو بوارد تغييرها مهما تكاثفت الضغوط، وأن خيار إسناد المقاومة في غزة سيبقى كما البوصلة في رسم سياساته إلى أن ينقضي هذا «الكابوس» الذي ارتضى العالم بأسره أن يكون الأطول مما شهده شعب بهذه القدرات، ولعل الثبات عند ذلك الخيار، في ظل تلاطم الأمواج الهائل التي تحيط بالبر الشرق أوسطي عموما، هو فعل وحده كاف لتأكيد الترابط الوثيق ما بين النظرية والممارسة عند هذا الأخير، وذاك سيزيد من رصيده، ويضفي على دوره مصداقية فوق تلك التي كان عليها، تاركاً لخصومه ممارسة فعل «العوم والسباحة»، فقط، عندما يهدأ تلاطم الأمواج الذي يستولد، عادة، «سباحين» مهرة.
قد تكون إحدى النتائج غير المباشرة لحرب غزة وتفرعاتها، أنها أظهرت زيف الإعلان الرسمي الإسرائيلي الذي لم يستطع الكشف عما يجري بخلاف ادعاءاته المزمنة السابقة، وتلك ستكون لها تداعياتها، عندما سيحين وقت الكشف بهذا السبب أو ذاك، على العلاقة الرابطة ما بين السطح السياسي والعسكري للكيان وما بين شارعه، ولسوف تعمق «الهوة» القائمة ما بين الطرفين منذ 7 تشرين الأول المنصرم، وإذا ما كانت لجنة التحقيق، «فينوغراد»، التي تأسست بغرض التحقيق في حرب تشرين 1973 والبحث في كل مندرجاتها، قد أفضت للإطاحة ببعض قيادات الصف الأول في حينها، فإن من المؤكد أن «فينوغراد»، أو أي اسم ستحمله لجنة التحقيق التي سيجري تأسيسها للخوض في مندرجات «طوفان الأقصى»، سوف تطيح بسطح سياسي وعسكري سيكون مسؤولاً من ألفه إلى يائه، هذا إن لم يؤد الفعل إلى الإطاحة بـ«الذهنية» التي تدير كيان الاحتلال، والتي تقوم أساساً على نزعة الشعور بـ«التفوق» الحاكمة لسلوكه، والتي يستحيل لكيانات المنطقة التعايش معها.
في ختام كلمته قال نصر اللـه: إن «على العدو أن يفهم ويحذر جيداً من طبيعة لبنان والتغيرات الإستراتيجية»، وإن «لبنان ليس ضعيفاً تحتلونه بفرقة موسيقية»، قبيل أن يضيف «قد يأتي اليوم الذي نجتاحكم فيه بفرقة موسيقية»، ومن المؤكد أن ما سبق كله يمكن إدراجه في سياق الاستقراء التاريخي الصحيح، فالكيانات لا تقوم، أو تدوم، بفعل عامل القوة فحسب، مع لحظ أن هذا العامل متغير دوما وبشكل سريع أحياناً، بل تقوم، وتدوم، تبعاً لعوامل تجذرها التي تستولدها صيرورة تاريخية معقدة، فيما عدا ذلك يمثل قيامها، عملية «إنزراع» مؤقتة، وهي في تراسيمها تجيء نتيجة لظروف دولية محددة، وتزول بزوالها طال الوقت أم قصر.
كاتب سوري