قضايا وآراء

مستقبل الحرب والسلام في العالم أمام انقسامه إلى كتلتين

| تحسين حلبي

هل تستطيع الولايات المتحدة المحافظة على مصالحها الإستراتيجية في بقية سنوات العقد الراهن؟ يرى الباحث البارز في «معهد كاتو للدراسات الإستراتيجية» داغ باندو الذي كان سابقاً مساعداً خاصاً للرئيس الأميركي رونالد ريغن في الثمانينيات ومؤلف كتاب: «حماقات خارجية: إمبراطورية أميركا العالمية الجديدة»، الصادر في عام 2006 في تعليقه على التقرير الجديد الذي أعدته «لجنة إستراتيجية الدفاع القومية الأميركية»، بأن تزايد الأخطار على الولايات المتحدة يعود إلى سياسة التمسك بهيمنتها على العالم بوساطة الحروب التي تشنها والعقوبات وأشكال الحصار التي تفرضها على أكثر من ستين دولة في العالم، وهذا ما جعل الرئيس الأميركي جو بايدين يقول في تموز الماضي في مقابلة مع وكالة «أي بي نيوز» الأميركية: «أنا أدير العالم كله» أو على الأقل هذا ما يدعي به أو ما يطمح إليه، لكن اللجنة المكلفة بوضع إستراتيجية الدفاع قلقة جداً، وجاء في تقريرها أن «الأخطار التي تواجهها واشنطن غير مسبوقة منذ عام 1945 وتتضمن احتمالات نشوب حرب كبرى عالمية في الأمد القريب وأسوأ من الحرب الباردة والحرب الكورية»، فالصين تشكل «التهديد العالمي المتسارع»، وروسيا تشكل «التهديد المزمن الذي يتجدد»، على حين تشكل إيران وكوريا الشمالية محوراً تتعاظم قوته على قاعدة الشراكة والتحالف ضد أميركا»، ويضيف التقرير: إن «الاحتمالات تتزايد نحو نشوب حرب يجري القتال فيها على ساحات عالمية وإقليمية متنوعة وليس هناك ما يضمن أن تنتهي بسرعة، والتحالف بين موسكو وبكين يزداد تماسكاً وشراكة مع بيونغ يانغ ومع طهران، وأصبح كل أعداء وخصوم أميركا يتعاونون مع بعضهم بعضاً بشكل وثيق أكثر من أي وقت مضى وهذا ما يفرض على واشنطن أن تكون مستعدة له»، ولذلك تتساءل لجنة الدفاع الإستراتيجي أمام هذا الوضع العالمي الطارئ: هل نحشد الجمهور الأميركي وننفق المزيد من الأموال على التسليح ونشر المزيد من القوات خارج حدود الولايات المتحدة وإيجاد المزيد لكل ما تتطلبه الحرب»؟

تجيب اللجنة: «يجب علينا الاستعداد حتى إلى حد نغزو فيه الصين وروسيا، ولذلك يجب الاهتمام الكبير بالقوة البرية لأنها ستشكل القوة المركزية لأمن الولايات المتحدة» ويضيف التقرير: إن إيران وكوريا الشمالية نظامان خطيران ولكن ليس لديهما مصلحة جوهرية في الاشتباك مع أميركا، على سبيل المثال، لو لم تكن واشنطن تقدم الدعم والإسناد في الشرق الأوسط لحماية أمن إسرائيل ولعدد من الدول الأخرى، لما اهتم الإيرانيون بمناهضة الولايات المتحدة، وفي يومنا هذا تستعد إدارة بايدن للحرب ضد إيران، ليس للدفاع عن أميركا ولكن لحماية إسرائيل وإبقائها قوة إقليمية متفوقة على كل دول المنطقة.

إن تاريخ الحروب الأميركية وأشكال الاحتلال التي تفرضها لم يكن سببها أو هدفها حماية الحدود الجغرافية المباشرة للولايات المتحدة التي لم تعتدِ عليها أي دولة، بل هي لفرض هيمنة ومصالح الولايات المتحدة على دول العالم، فالحرب التي تهدد واشنطن بشنها على روسيا والصين بعيدة عن حدود الولايات المتحدة، لكن واشنطن تضع في إستراتيجيتها منع أي تطور عسكري أو صناعي أو اقتصادي لأي دولة طالما لا تكون تابعة لواشنطن وكإحدى ولاياتها، وهذا ما يجعل واشنطن تعادي الصين وروسيا لأنهما الدولتان الكبريان اللتان تنافسان واشنطن في كل مجالات التطور والقوة العسكرية والأسلحة، لذلك بقي العالم منذ الحرب العالمية الثانية تسود فيه عالمياً خمس قوى عظمى لثمانين سنة تقريباً، وانحصر الصراع العالمي بينها سواء في الحرب الباردة في القرن الماضي أم فيما بعد تلك المرحلة، وأصبح التوتر بين كتلتين هو الذي يتحكم بالحرب والسلام، لكن الاتجاه الذي يسير فيه هذا التوتر هو إما نحو تخلي واشنطن عن الهيمنة الأميركية مقابل نظام عالمي متوازن لمصلحة كل شعوبه وإما نحو حرب لن تنتصر فيها واشنطن على كل شعوب العالم حتى لو انتشر الدمار من هذه الحرب في معظم دول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن