عصر جديد من الحرب يلوح في الأفق قراءات في تحولات الصراع ضمن المشروع الوطني للترجمة … «الحرب والإستراتيجية في القرن الحادي والعشرين»
| مايا سلامي
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، وضمن المشروع الوطني للترجمة، دراسة بعنوان «الحرب والإستراتيجية في القرن الحادي والعشرين»، تأليف كريستان ماليس، ترجمة د. علي حبيب، تقع في 344 صفحة من القطع الكبير، وتدعو هذه الدراسة إلى الغوص المستقبلي في عالم الحرب- الصراع المسلح المنظم الذي له هدف سياسي في أفق 2030-2040 وهدفنا فيه هو فهم تحولات هذا الصراع، وشرح كيف يجب على الإستراتيجية أن تتأقلم معه للحفاظ على السيطرة عليه، لأن الحرب تعود بأشكال جديدة كلياً.
ويريد هذا الكتاب أن يضيف لبنة إلى بناء عصر من الحرب التي يمكن السيطرة عليها، من خلال المساعدة التي يقدمها في التفكير بالحرب المستقبلية، في تشابك أسبابها المحتملة التي يستعرضها في فصوله الثلاثة الأولى، وتحولات شكلها الخارجي التي يبحثها من الفصل الرابع إلى السابع، ومخططاتها الإستراتيجية الجديدة في الفصلين الثامن والتاسع، ليقدم في الآخرة إجابة لأمة مثل فرنسا عن السؤال، ما العمل؟، ويوجه سؤاله الأول إلى ما قاد القوى الغربية إلى أن تخطئ في فهم العالم الجديد، لماذا أطلقت هذه القوى حروباً منذ خمسة عشر عاماً، أي مع بدايات القرن الحالي؟
كما يصف هذا الكتاب عالماً ستكون فيه الأسلحة النووية مجرد جهاز واحد بين أجهزة أخرى، ويدعونا إلى توجيه أعيننا نحو الفضاء بوصفه مسرحاً جديداً للقتال، حيث ستسيطر أساطيل الروبوتات قريباً على قوة الردع.
الحرب الباردة
وفي البداية يتحدث الكاتب عن الحروب في بدايات القرن مسترجعاً ذكرى الحرب الباردة التي خاضتها أميركا، ويقول: «لقد كانت أميركا المنتصرة في الحرب الباردة ومن ورائها من القوى الغربية تمتلك عشية حرب الخليج الأولى 1991 رأسمالاً إستراتيجياً هائلاً، هذا الرأسمال صنعه في آن معاً الرصيد الأخلاقي لها، لنتذكر تمثال الحرية الذي ينتصب كرمز لأبطال الشعب في ساحة «تيان آنمين» الشهيرة في الصين والتفوق الساحق في الآلة الحربية، وفيما يتعلق بالكثيرين ينطلق اليوم غناء بجعة السيادة العالمية لواشنطن معلناً أفول هذه السيادة الأميركية واقتراب حمل الصين لراية السيطرة».
ويطرح هنا عدة تساؤلات وهي: كيف يمكن لهذه الأمور أن تنقلب بمثل هذه الصورة بعد الحملات السريعة، وحتى السهلة لحرب الخليج الأولى في عام 1991 وحرب الكوسوفو في 1999؟ كيف لم يستطع 140 ألف جندي مجهزون بأحدث صيحات التكنولوجيا الانتصار على 20 ألفاً أو 30 ألفاً من الطالبان المسلحين بصورة بسيطة؟ كيف يمكن ابتلاع 2000 إلى 3000 مليار من الدولارات في قمع واسع من حروب ليس لها نهاية العراق، أفغانستان من دون إحراز الانتصار أو حتى النجاح؟ ما النتائج لمستقبل هذا التسلسل الإستراتيجي وأي سمات للنزاعات المستقبلية يمكن تبيانها؟
الإستراتيجية المستقبلية
ويستعرض الكاتب ما ليس في دراسته آفاق إستراتيجية 2030، ويشير إلى أننا سنشهد فترة انتقالية نحو التعددية القطبية التي ستكون دائماً علامة على رجحان الكفة العسكرية لمصلحة الولايات المتحدة، كما يكشف تسلسل الدورات الإستراتيجية منذ نهاية الحرب الباردة في بعدها العسكري بالتحديد، أي فيما يتعلق بالأساليب المهيمنة لاستخدام القوات كما يرغب الغرب.
ويبين أن الدورة الأولى تمتد بين عامي 1990 و2003 أي من حرب الخليج الأولى إلى حرب الخليج الثانية، ويميزها استخدام القوات البرية من أجل الحفاظ على السلام والانسحاب الإستراتيجي لسلاح الجو، وأن الدورة الثانية بين عامي 2001 و2014 أي من الحادي عشر من أيلول إلى الانسحاب الرسمي لحشود حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، التي سيطر عليها استخدام القوات البرية ضمن نمط مكافحة التمرد واستخدام سلاح الجو لدعم العمليات على الأرض…
ويشير إلى أن الدورة المستقبلية اللاحقة 2030- 2050 ستكون دورة التعددية القطبية الفعلية ومن الصعب القول فيما إن ستكون هذه التعددية القطبية سلمية من الناحية الهيكلية أم على العكس من ذلك ستكون صدامية من الناحية الإستراتيجية، فعلياً سترتبط أغلب سماتها بالأحداث الخاصة وغير المتوقعة من حيث طبيعتها للدورة العسكرية التي تفتح أبوابها.
الحدود الجديدة
ويتناول الكاتب في دراسته الحدود الجديدة للمعركة، فيوضح كريستيان ماليس أنه مع بداية القرن العشرين أصبح هناك الفضاء الإلكتروني وهو وسيط إبداعي جديد يغمر نفق التسارع الزمني بدوره.
وينوه إلى تطوير الفضاء الالكتروني والفضاء الخارجي كساحات حرب، لأن هاتين المنطقتين تعتبران ملاذات آمنة وخطوط اتصال للجيوش الحديثة، ويصبح الفضاء الإلكتروني بيئة تعبر عن بيئات أخرى.
ويشير إلى أن حرب الفضاء والفضاء الإلكتروني أصبحت أمراً مؤكداً في القرن العشرين إلى الحد الذي أصبح فيه استخدامها ضرورياً للقوة الاقتصادية والإستراتيجية للدول المهيمنة، ولكن سيطرة تلك الدول تفرض تحديات جديدة في التاريخ العسكري، كما أنها توفر تسهيلات استثنائية لعمل الأطراف الأضعف من القوى، ضد الأطراف الأقوى.