المفاضلة.. نهاية أم بداية
| ميشيل خياط
صدرت قبل أيام المفاضلة الجامعية الأولى، وتميزت بانخفاض نسبي بمعدلات القبول، وبكثرة الاختبارات كشرط للقبول، إلى جانب العلامات في الشهادة الثانوية.
وبما أن هذه المفاضلة- غير نهائية- فإن الطالب يفتقر إلى اليقين وسيضطر إلى الخضوع لاختبارات في عدة اختصاصات كي يضمن كلية ما في النهاية، علماً أن الاختبارات قد حشرت في أيام معدودة.
لقد جرى الترويج لانخفاض المعدلات، وما تم الإعلان عنه، هو مبدئي وليس نهائياً، ولاسيما للكليات الطبية ذات السنة التحضيرية «229درجة»، مع تحديد 50 بالمئة للطب فقط و50 بالمئة لطب الأسنان والصيدلة.
ويجب لفت الانتباه إلى أن المقاعد المقترحة للسنة التحضيرية هي «7646 مقعداً حسب جريدة «الوطن»، أي بنقص مقداره «754» مقعداً عن العام الماضي، فهل يستحق هذا الوفر كل ذاك العناء في صوغ عام دراسي صعب جداً تمخض عن امتحانات ذات أجواء رديئة، أدت إلى انخفاض علامات المجتهدين «والوقائع باتت محكية مراراً، بدءاً من الامتحان المؤتمت الفاشل المُحبط، مروراً بأسئلة الرياضيات التعجيزية وانتهاء بالتأخر في توزيع أسئلة الرياضيات في الدورة التكميلية لمدة ساعة..! ولم تعوض..!!» وهذا غيض من فيض.
ثم هل كان هذا الوفر يستحق رسوب 41819 طالباً وطالبة بالمقارنة مع العام الماضي…!!
تعلمون أنه بات لدينا 28 جامعة عامة وخاصة يتلقى العلم على مقاعدها 700 ألف طالب وطالبة، أتستكثرون عليها تخريج 4000 طبيب بشري كل عام..؟
يقول الدكتور هاني الخوري في محاضرة قيمة جداً، إن عدد الأطباء الذين يغادرون سورية سنوياً 400 طبيب «وهذا موثق لدى نقابة الأطباء».
ما من شك أن أغلبهم يغادرون للاختصاص، ولنفرض للعمل فهل يستحق هذا العدد كل ذاك الندب…؟.
وكل هذا السعي لتقليص عدد المقبولين في السنة التحضيرية…؟ إنها فرصة لسورية لأن الكثير من طلابها لديهم حماسة وحب الدراسة في تلك الاختصاصات وأرى أن نشجعهم لا أن نكبح جماحهم.
ومن المؤسف أنه مثلما تراكمت في مسار وزارة التربية جملة من الصعاب المضنية، أشرنا إلى بعضها، لمسنا لدى وزارة التعليم العالي انتباهاً مفاجئاً، في هذه السنة بالذات إلى «سياسة القبول، والسعي إلى جعل التعليم المهني 35 بالمئة من مجمل التعليم العام، وكأنه لا يوجد من يلاحظ ويدرس» أن التعليم المهني لم يصمد على الـ30 بالمئة حسب قرار القيادة القطرية، في مطلع الألفية الثانية، بل انهار إلى 13 بالمئة العام الماضي بسبب التسرب الكبير، وهذا التراجع مستمر لأنه لم يتم تطبيق القانون 38 على نطاق واسع ولم تُحول المدارس المهنية إلى مراكز إنتاجية بمجملها، لتوفر حافزاً مالياً للطلاب، يغريهم بقوة على التسجيل الطوعي فيها، والكلام ذاته يصلح للمعاهد التقانية التي لم تنفذ القانون 39 كما يجب أن يـُنفذ.
ما من شك أنها طروحات إيجابية، لكن اللافت فيها ظهورها المفاجئ الحاد في هذه السنة «الكبيسة» تربوياً.
تعلمنا أن العلم نور، فهل زيادة رسوم التسجيل في الجامعات الحكومية إلى 30 ألفاً للكليات النظرية و50 ألفاً للكليات العملية، وهل رفع رسوم التسجيل في التعليم الموازي إلى 2.5 مليون ليرة سورية و 1.8 مليون و1.4 مليون في الكليات الطبية والهندسية، يغري على التهافت على العلم واكتساب المهارات الحياتية.
لكن هذا كله بكفة، وأن يقول وزير التربية إن الانخفاض في عدد الناجحين في الشهادة الثانوية، مؤشر قوي جداً إلى انخفاض معدلات القبول بالمفاضلة، وإن فحص السبر للأحرار، حرم عشرة آلاف طالب من التقدم لامتحانات الشهادة الثانوية، هو بكفة ثانية..!
رقم يدمع العينين، وخسارة فادحة لشبان وشابات لديهم الرغبة في التعلم.
ونكرر أن أرقام المفاضلة للعام الحالي مبدئية، وللحدود الدنيا ونأمل ألا ترتفع كثيراً، خذوا أكبر عدد ممكن من الطلاب للجامعات، ومن الأفضل حسب رغباتهم فهذا في مصلحة الوطن، ولاسيما أن عودة المعيدين تحسنت بنسبة 75 بالمئة «الوطن 13-2-2024» وبات يعود 100 معيد كل عام للتدريس في جامعاتنا.
الطالب ليس عبئاً إلا عندما يبقى خارج الجامعة متسكعاً أو متشرداً، احتضنوه وفي ذلك ربح وطني كبير.