من دفتر الوطن

المال والحب!

| عصام داري

هل كل شيء يشترى بالمال، حتى لو كانت النفوس والأشخاص؟.

ربما المال قادر على شراء النفوس، أو بعض ضعاف النفوس، وأن يشتري الجواري من سوق النخاسة بعد توقيع عقد بيع بالتراضي لكن أموال الدنيا غير قادرة على شراء قلب نقي، أو حبيبة أو شريكة حياة.

يستطيع الثري أن يشتري قفصاً من ذهب وجواهر وحريراً ويضع أنثى في داخله، وهو يملك هذه الأنثى فيدخلها في قفصها متى شاء، ويخرجها منه متى شاء، لكنه عاجز عن امتلاك قلب ومشاعر وأحاسيس هذه الصبية التي ارتضت أن تدخل القفص الذهبي بفعل تراكم من العادات والتقاليد البالية، وقد تكون معه جسداً، لكنها في الوقت نفسه تعيش مع غيره في حلم دائم فذاك هو من امتلك الصبية، وليس هذا الرجل الغريب صاحب المال والجاه.

كنت أقول في الماضي إن الحب حالة إنسانية راقية لا يمكن أن تسجن في عقد يشبه عمليات البيع والشراء،مهما كان شكل ذلك العقد،وإن الحب ليس امتلاك طرف لطرف آخر، وهذه الثغرة التي نعيشها في مجتمع ذكوري أولاً، ويقدس المال ثانياً.

لا يستطيع الإنسان الانسلاخ من محيطه وبيئته، أو الانفصال عن واقع بلده وأهله وشعبه، ولا أجد أنني قادر على استيعاب هذا الموت الطاحن الذي يسحق العصافير والفراشات وينتهك الحرمات، تحت تسمية زواج وينسف كل مقومات الحياة والحرية الشخصية للمرأة.

من المستحيل أن تمر أيامنا وسنواتنا من دون حب يلونها ويعطيها نكهة السحر والحلم الوردي الجميل، والحب هو هبة اللـه لبني البشر، ومن ينكر هذه الهبة يتنكر لكل مكونات الإنسان والطبيعة البشرية، ولمبرر وجوده.

رغم شعورنا القاسي بأننا نتنقل من زنزانة إلى أخرى، فإننا لا نستسلم «لفلسفة» الزنازين والأقفاص، حتى لو كانت السلاسل التي تقيدنا من ذهب وجواهر وأحجار كريمة، فما نفع كل كنوز الدنيا عندما نفقد حريتنا ولو لثوان معدودات، فنحن نصنع الحب وسط موجات الكراهية العارمة، إننا ببساطة عشاق حياة وجمال ونستحق الفرح والحب، والمال يساعدنا، ولا يسعدنا!

عرفنا في سورية على مدى سنوات الجمر والنار شتى ألوان الكراهية والبغضاء والبشاعة والقبح، لذا نحن الأقدر على التعبير عن مشاعر الحب والرغبة في الابتعاد عن الكراهية، والمال الذي يشتري ما يعتبره أصحاب الأموال حباً،هو في حقيقته عقد عبودية تذكرنا بعصر الرقيق والعبودية.

وبغض النظر عما إذا كان المال لا يجلب، أو لا يشتري السعادة، أو أن السعادة الرفيق الملازم للمال، فإن السؤال الأهم والأكبر هو: هل يجلب المال الحب؟ أو هل يصنع المال حباً حقيقياً بعيداً عن المصالح والرغبة في الدخول في عالم المال والأعمال من خلال علاقات «عاطفية»، وأتحفظ على كلمة عاطفية، أو بالتزاوج بين الأغنياء والفقراء.

أسئلة كثيرة تطرح حول هذا الموضوع، فما هي العلاقة بين المال والسعادة والحب؟قد يحقق المال سعادة لبعض الأشخاص، لكنه بالتأكيد لا يستطيع صنع حالة حب واحدة، وإن حصل،وهو نادر جداً،فإنه حب زائف يرتضيه البعض لأسباب اجتماعية واقتصادية وليس فيه شئ من الإنسانية، وأرجو أن أكون مخطئاً، وأنا لست كذلك!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن