نتنياهو يعلنها.. المفاوضات نقاش بيزنطي
| منذر عيد
يبدو أن ثمة مشاهد تراجيدية تكتب على خلفية المسرحية الهزلية الصهيو-أميركية الذي يلعب دور البطولة فيها كل من رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، مسرحية الأخذ والرد، والنقاش البيزنطي حول صفقة التفاوض مع المقاومة الفلسطينية، بخصوص وقف العدوان على غزة والانسحاب الإسرائيلي وتبادل الأسرى، حيث أجاد كل منهما دور الكذب والنفاق بشكل كبير ومتقن.
في الوقت الذي تنهمك جل المراكز البحثية السياسية الإستراتيجية الدولية، في تحليل وقراءة مستقبل عملية التفاوض بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، وينهمك المحللون في الغوص بكل تفصيل أو همسة يتحدث بها نتنياهو، فإن الأخير كان صريحاً وشفافاً جداً، وقال كلاماً لا يحتاج إلى تحليل ولا تمحيص، فالرجل قالها بكل وضوح أول من أمس: «قضية محور فيلادلفيا، قضية سياسية إستراتيجية مهمة وليست قضية تكتيكية، عندما ترى حماس ضغطاً وتراجعاً في موقفنا فهي تغير موقفها ونحن لن ننسحب من محور فيلادلفيا»، وبالطبع فإن نتنياهو يعي جيداً ماذا يعني عدم الانسحاب من «فيلادلفيا» بالنسبة للمقاومة، فكلام نتنياهو هو إعلان رفض أي تفاهم أو مفاوضات، وبأن ما يجري على طاولة المفاوضات بين المتحاورين ليس «نقاشاً بيزنطياً»، بل إن حديثه يعد قراراً بالمضي قدماً في الحرب على غزة.
مجريات الأحداث وقرابة الأحد عشر شهراً من العدوان، جعلت نتنياهو يؤمن بأن لا حصاد كبيراً يرتجى من «بيادر» غزة، فالأسرى الصهاينة يعودون قتلى واحداً إثر الآخر، ومن تبقى منهم بات مصيره محتوماً في ضوء إصراره إلى اعادتهم بالقوة، بعد أن قال الناطق باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة حماس أبو عبيدة: نقول للجميع وبشكلٍ واضحٍ أنه بعد حادثة النصيرات، صدرت تعليماتٌ جديدة للمجاهدين المكلفين حراسة الأسرى بخصوص التعامل معهم حال اقتراب جيش الاحتلال من مكان احتجازهم»، ليضيف «إصرار نتنياهو على تحرير الأسرى من خلال الضغط العسكري بدلاً من إبرام صفقةٍ سيعني عودتهم إلى أهلهم داخل توابيت وعلى عوائلهم الاختيار إما قتلى وإما أحياء».
القصة لم تنتهِ عند حدود غزة بالنسبة لرئيس وزراء الكيان، بل إن الأمر بات في مدن ومخيمات وجغرافيا الضفة الغربية، إذ يعمل نتنياهو على توسيع نطاق العمليات العسكرية فيها، الأمر الذي يمكنه في جانب ما من إطالة حالة الحرب قدر الإمكان، حيث إن مصالحه تكمن في استمرار الحرب وتتوافق مع استمرار سيناريو الاستنزاف، ومن جانب آخر يمكن أن يستغلها كمناسبة لتطبيق خطة «آلون» التي تم اقتراحها في تموز 1967، والتي تهدف إلى رسم الحدود المستقبلية لإسرائيل من خلال ضم أجزاء إستراتيجية من الضفة الغربية، وخاصة وادي الأردن، مع ترك المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان تحت السيطرة الأردنية أو الفلسطينية الذاتية، حيث تسعى الخطة أيضاً إلى إنشاء حدود دفاعية، والحفاظ على أغلبية يهودية ديموغرافية، ومنع تشكيل دولة فلسطينية مستقلة.
الحديث عن محاولة نتنياهو إحياء خطة «آلون»، ليس من باب التنجيم أو التحليل، فعمليات القمع والاغتيالات التي استهدفت وتستهدف الفلسطينيين في المدن والمخيمات بالضفة، تشير إلى إستراتيجية متعمدة تتماشى مع أهداف الخطة الأصلية، وهذه الإستراتيجية تأتي بالتوازي مع صعود تيار صهيوني يرى في الضفة الغربية أرضاً إسرائيلية، ولا مكان للفلسطينيين فيها، وهو ما ظهر من خلال الخريطة التي عرضها نتنياهو في مؤتمره الصحفي أول من أمس خلال شرح تفاعلي على لوحة إلكترونية عن محور فيلادلفيا، ضمن خريطة للأراضي الفلسطينية، حيث خلت من أي إشارة للضفة الغربية المحتلة منذ 1967، ليكرر ما فعله وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش في 19 آذار2023 خلال عرضه خريطة في محاضرة له في باريس أنكر فيها وجود شعب فلسطيني واعتبره «بدعة تمّ اختراعها قبل مئة عام لمحاربة المشروع الصهيوني في أرض إسرائيل».
لا شيء يأتي عن عبث، ولا شيء يمكن أن يُقدم على فعله قادة الاحتلال من فراغ، فما يجري في الضفة الغربية، يستدعي دق ناقوس الخطر، وبأنها ليست بمنأى عن إجرام نتنياهو وآلة حربه، وخاصة أنه يبحث عن تحقيق «نصر»، بعد إخفاقه بتحقيقه في غزة، إضافة إلى أن إشعال نار حرب جديدة في الضفة، تعتبر وسيلة لإرضاء اليمين المتطرف، و«حصان طروادة» بالنسبة له للبقاء في السلطة، التي تشكل بالنسبة له حبل نجاة من أي مساءلة حول العديد من الإخفاقات والهزائم في جبهات القتال مع غزة ولبنان.