قضايا وآراء

نتنياهو والصراع مع الشارع الإسرائيلي

| محمد نادر العمري

بشكل مفاجئ ظهر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بمؤتمر صحفي متلفز هو الأول من نوعه منذ قرابة عشرة أشهر، وبصورة أكثر تحديداً منذ إنجاز عملية طوفان الأقصى من قبل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول 2023، حين أعلن نتنياهو حالة الطوارئ داخل الكيان بهدف حشد الإمكانات ومحاولة توحيد النسيج الاستيطاني والسياسي الذي كان يشهد انقساماً نتيجة ما تبناه نتنياهو وأعضاء ائتلافه الحاكم من اليمين المتطرف لسياسات من شأنها إحداث تغيير بنيوي في النظام السياسي الإسرائيلي، وتهيئة الرأي العام الداخلي والدولي لشن عدوان واسع على قطاع غزة.

أما ما يميز المؤتمر الإعلامي الأخير لنتنياهو، فهي مجموعة من النقاط يمكن أن تشكل سبباً جوهرياً لعقد هذا المؤتمر، حيث تكمن هذه الأسباب في:

– التوقيت السياسي، إذ يمكن القول إن نتنياهو اضطر لعقد هذا المؤتمر نتيجة اعتبارات داخلية وعلى جبهة القتال بالتزامن مع تطور المواقف الدولية، إذ جاء المؤتمر في توقيته بعد يوم من إعلان المقاومة عن وفاة ستة أسرى صهاينة كانت المقاومة الفلسطينية تحتجزهم داخل قطاع غزة وكانت أسماء خمسة منهم مدرجة ضمن قوائم التبادل بما في ذلك شخص كان يحمل الجنسية المزدوجة الأميركية- الإسرائيلية، وقضوا نتيجة قصف قوات الاحتلال، كما أن هذا المؤتمر جاء بعد اتساع رقعة الخلاف بين نتنياهو ووزير الدفاع يؤآلف غالانت على نقاط عدة بما في ذلك محور فيلادلفيا الذي يصر نتنياهو على إبقاء قوات كيانه منتشرة فيه، بذريعة قطع طرق الإمداد للفصائل الفلسطينية، بما يمنع الوصول لأي اتفاق تستطيع من خلاله إسرائيل استعادة أسراها، في حين يقدم غالانت تصوراً يشترك به مع قادة الأجهزة الأمنية، يتضمن عدم الحاجة للبقاء على هذا المحور من الناحية الأمنية والعسكرية، فضلاً عن ذلك فإن هذا المؤتمر في توقيته تزامن مع دعوة «الهستدروت» أو ما يعرف بنقابة العمال لإضراب عام بما يشل الحركة الاقتصادية المنهكة في داخل الكيان.

– تطورات جبهات القتال والعدوان: إذ يبدو أن نتنياهو ومن خلال ما تضمنته مفردات تصريحاته خلال المؤتمر الإعلامي، ولاسيما تأكيده بعدم وقف القتال إلا بعد القضاء على الفصائل المقاومة بما في ذلك «كتائب القسام» الذراع العسكري لحركة حماس، والإصرار على إبقاء حالة الاحتلال على محور فيلادلفيا، وتحميل المقاومة مسؤولية عدم إنجاح المفاوضات، واتهام الجميع حتى من يتظاهر داخل الكيان، أو يعارضه سياسياً، أو من يسكن البيت الأبيض، بأنهم يساعدون «السنوار» وفق زعمه بتحقيق مصالح الفصائل الفلسطينية وما سماه نتنياهو بـ«محور الشر» في إشارة لمحور المقاومة وفي مقدمتهم إيران، لذلك يمكن القول إن نتنياهو يريد من خلال هذا المؤتمر، أن يرسل عدة رسائل أبرزها، استمرار آلة الحرب حتى تبيان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، لفرض الأمر الواقع على إدارة الديمقراطيين في حال فوز المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس الحالي كاميلا هاريس، أو لاستكمال مشروع القرن بما يتضمنه من عملية تهجير للمواطنين الفلسطينيين في حال قدوم الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، وهذا ما يفسر سبب تعنت نتنياهو لعدم التوصل لأي اتفاق بحثاً عن أي ذريعة ممكنة، وسبب توسع رقعة العدوان ليشمل الضفة الغربية، في خطوة لا تخلو أبداً من الانتقال بمشروع «حسم السيطرة على الضفة» الذي تبناه وزير المالية والاستيطان الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش عام 2017، من الإطار التنظيري للواقع العملي، وهذا ما برز في التصريحات العلنية لوزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أثناء بدء العدوان على القطاع والذي حمل اسم «صيف المخيمات» عندما طالب «بإخلاء مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية من سكانه، ومعاملتهم كسكان غزة».

– الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الكيان عموماً ونتنياهو بشكل خاص، إذ سعى نتنياهو من خلال المؤتمر الإعلامي منذ 11 شهراً، للقول إن الضغوط التي تمارس عليه من الخارج سواء كان ذلك رداً على تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قال في لقائه مع الصحفين: «نحن قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق، ولا أعتقد أن نتنياهو يفعل ما يكفي حيال ذلك»، أم كرد على تلويح الاتحاد الأوروبي على اتخاذ خطوات تنفيذية ضد الكيان في ظل استمرار الانتهاكات المرتكبة من قوات الاحتلال والمستوطنين للضفة الغربية والتي تجاوزت أكثر من 1223 انتهاكاً موثقاً منذ بدء عملية طوفان الأقصى، وقبل بدء العدوان العسكري على الضفة الغربية والذي وصف بالأكبر منذ عملية السور الواقي في 2002.

في الواقع ما يقلق نتنياهو بشكل أكبر يكمن في التظاهرات الداخلية، التي أجبرته في أكثر من مناسبة، أن يمتثل لمطالبها، أو أن يحاول تأخير تنفيذ سياساته في محاولة لامتصاصها والالتفاف عليها، بما في ذلك التظاهرات التي أرغمته في آذار الماضي من 2023، من تأجيل ملف طرح الإصلاحات القضائية، كما أنها في عام 2011، أجبرته بفعل الظروف الاقتصادية للقبول بصفقة شاليط، لذلك فإن توجه «الهستدروت» للدعوة نحو تنفيذ إضراب ليوم واحد، الإثنين الماضي، كان له انعكاس وتأثير ودلالات بالغة الأهمية، من شأنها أن تشكل عامل ضغط على حكومة نتنياهو وتعمق من أزمته، ولاسيما فيما تعكسه الدعوة للإضراب والتي يمكن قراءتها وفق الآتي:

أولاً- إعلان «الهستدروت» تنفيذ إضراب ليوم واحد، هي خطوة متقدمة، من تنظيم شكل التظاهر داخل إسرائيل، وتتخذ شكلاً أكثر فاعلية وتأثيراً على مراكز صنع القرار، ولاسيما بما تتضمنه هذه النقابة من أعداد كبيرة من المنتسبين إليها من عمال داخل المرافق الحيوية الاقتصادية والخدمية داخل الكيان، وبشكل يؤثر على حدوث شلل شبه كامل، وهذا ما يفسر تظاهر أكثر من 350 ألف مستوطن بعد الإعلان عن هذه الخطوة بساعات.

ثانياً- تعد «الهستدروت» من أبرز المؤسسات الصهيونية أو ما يمكن تصنيفه ضمن مؤسسات الدولة العميقة داخل إسرائيل، ولاسيما أنها كانت تعبيراً وامتداداً متناغماً لحزب العمال الذي حكم الكيان من التأسيس 1948، وحتى الانقلاب السياسي الكبير 1977، ولطالما كان لها دور مركزي في الحياة السياسية الإسرائيلية، وهي من النادر أن تدعو لإضرابات مفتوحة أو محددة.

ثالثاً- دعوة «الهستدروت» لإضراب عام، يعني من ناحية استقطاب الكثير من المستوطنين والنقابات الإسرائيلية للانضمام بالمشاركة في الإضراب الذي قد يتكرر بشكل أوسع ولفترات زمنية أطول، ويزيد من زخم حراك المعارضة الإسرائيلية التي فشلت في توحيد صفوفها للذهاب نحو عصيان مدني قد تنجح هذه النقابة للقيام به.

رابعاً- ترافق إضراب نقابة العمال، مع تظاهرات دعت لها طائفة الحريديم أمام مراكز التجنيد رفضاً لدعوتهم للخدمة العسكرية، وهو ينبئ باحتمال قيام أركان اليمين المتطرف لاستثمار مواقف الشارعين، لإحداث الفوضى، بما يبرر استخدام العنف وقمع التظاهرات المناهضة لحكومة نتنياهو.

خامساً- تهديد وزير المالية سموتريتش بخصم رواتب من يشارك في دعوة النقابة واتهام رئيس النقابة بأنه ينفذ مخطط رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، زادت من غضب أهالي الأسرى والجنود الاحتياط وباقي المستوطنين، وهو ما دفعهم للمشاركة بشكل واسع ضمن التظاهرات، ولاسيما أن العاملين والمنتمين للنقابة يدركون أن هناك خصومات ستلحق برواتبهم بطبيعة الحال بشكل تقليدي، ولكن اتهامهم بمساعدة الفصائل الفلسطينية هو الذي سيقود نحو المزيد من الانقسام داخل الكيان، وهو ما يعكس تصريح رئيس النقابة أنه بات هناك دولتان لإسرائيل.

بالعموم لا يمكن القول إن نتنياهو على حافة الهاوية أو في وضع سيئ، ولا يمكن وصفه أيضاً بأنه في وضع مريح ومقتدر، ولعل التوصيف الأبرز وفق ما ظهر به نتنياهو بمؤتمره الإعلامي، هو في وضع متأرجح يسعى قدر الإمكان لاستثمار كل شيء لتوجيه الاتهام والمسؤولية بمن يعارضه، بما في ذلك الإدارة الأميركية التي مازالت تراوغ في ادعاءاتها بممارسة الضغط على نتنياهو للذهاب نحو اتفاق، والتي تزيد من تفاؤلها الغريب عن اقتراب رؤية الدخان الأبيض من حيث التوصل لاتفاق، إلا أن اليقين بحالة التأرجح لنتنياهو والذي قد تدفعه في حال ما تكثفت الضغوط عليه لافتعال أزمة خارجية مثل اغتيال جديد أو أي شكل من أشكال تجاوز الخطوط الحمر لإعادة احتواء الضغوط الداخلية والخارجية بذريعة توحيد الجهود لحماية أمن إسرائيل.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن