ثقافة وفن

وزراؤنا قبل الوداع

| إسماعيل مروة

يكثر الحديث هذه الأيام عن الحكومة الجديدة المرتقبة بعد تشكل مجلس الشعب وتحوّل الحكومة إلى حكومة تسيير أعمال، وعدد قليل يصف الحكومة القادمة بالعتيدة، وبعضهم يترقبها أملاً في أن يكون موجوداً، والوزراء الحاليون يترقبونها وهم يأملون أن يبقوا على كراسيهم، لأن من يشبههم ومن يمكن أن يكون بديلاً مفقود في سورية التي يرونها وحدهم بأنها صارت عقيمة بعد أن أنجبتهم!

وعدد قليل لديه قناعة راسخة بأنه باق ومقيم ما أقام عسيب!! وللحق فإن أغلبية السوريين لا ينتمون إلى أي جانب من هؤلاء، فهم لا يترقبون، ولا يتأملون، وكل آمالهم وطموحاتهم تتمثل في حياة فيها شيء من التوازن والمنطق بين الدخل والصرف لتأمين حد أدنى من المتطلبات، فالوزير، أي وزير لا يعنيه ولا يشعر بأن الدخل لا يكفي أجرة مواصلات لموظفيه، ومع ذلك يطلب فوق الطاقة..!

والسوريون في أغلبيتهم لا يترقبون لأنهم تعودوا ذلك عند كل مفصل أو استحقاق، ورسموا آمالاً عريضة، ولكنهم وصلوا إلى قناعة تامة بالاستسلام للأمر الواقع، وبأن القادم لن يكون أفضل من الحالي مهما كان وضع الحالي، ويردد السوريون مقولة: لن يتغير شيء، كلما جاءت أمة شكرت أختها السابقة!

والمتابع من الناس يجد عجباً في وزرائنا ومسؤولينا، وغداً، على الرغم من الآمال الضعيفة، سنجد عدداً من الوزراء والمسؤولين خارج المنظومة، وحين يخرجون سيعود إليهم الود والاحترام، وسيمثلون المسكنة والدروشة، وبأنهم لم يكن لديهم حول ولا قوة، وبأنهم لم يكونوا أصحاب قرار، وربما صاروا مغلوبين على أمرهم، وربما تعاطف الإنسان معهم وأشفق لحالهم التعيس عندما كانوا وزراء! مساكين كم كانوا أبرياء!! وهذا الأمر ينطبق على أي مسؤول، فهو لا يشعر بأنه لا حول له ولا قوة إلا بعد مغادرته، وربما تحوّل بعضهم، والشواهد كثيرة، وأعفي نفسي وأعفيهم من ذكر الأسماء والأحداث، ربما تحوّل بعضهم إلى ناقد ومنظّر حتى للمكان الذي كان يشغله، ولم يقدم فيه شيئاً، بل خرّبه، وقلب عاليه سافله! في أحسن الأحوال سنجد بعضهم ناقداً في المنابر الإعلامية والندوات والجلسات، وبعضهم، وقد رأيتهم يتجمعون في المقاهي أو في مضافة واحد من المسؤولين الذين غادروا، لكنه ميسور، ويجلسون للحديث والانتقاد، وربما، وهنا الطامة سيتحول بعض هؤلاء إلى معارضة، ومعارضة شرسة، وهم أدرى بالواقع لذلك يعارضون ما كانوا يمثلونه!

أيها السوري لا تصدق هؤلاء الذين يدّعون بأنه لا حول لهم ولا قوة وهم في موقع المسؤولية، فأغلبهم في الأذية فارس لا يشق له غبار، وأغلبهم حين يحكمه حقد، فإنه يبطش ويحقد ويفعل ويؤذي، وهذا الفعل فردي وجمعي، ويبطشون بطش جبار، ويصرخون في وجوه الآخرين بأن القرار لهم، فهل من حقهم بعد المغادرة أن يتنصلوا من مسؤولياتهم، ويبنوا عجزهم وحقدهم على الناس والوطن على المبني للمجهول؟ ما من مواطن سوري لم يتعامل مع مسؤول، وزيراً كان أو مديراً، ورأى من العجب والديكتاتورية والاعتداد بالرأي ولو كان خطأ، فهل من حقه أن يتلطى بعد مغادرته بأسماء وجهات؟

كيف تهيأ لهذا الوزير أو المسؤول أن يكون مؤذياً ومتحكماً ضد أفراد ومجتمع، ولا نسأله عن هذا الأذى؟ وكيف تهيأ له أن يكون لا حول له ولا قوة في فائدة الوطن والمجتمع والناس ولا نحاسبه؟

ترقب تغيير ما، وترقب وزارة جديدة حق مشروع لكل مواطن، ولكن سُلب هذا الحق منه بسبب الخيبات المتوالية، والشخصيات التي لم تكن جديرة بمكانها، ولم تقدم شيئاً، ولم تعتذر مجرد اعتذار عن تقصيرها وإساءتها!

عندما يفقد الوزير مشجب العجز الذي يحاول تمثيله يمكن أن يكون نافعاً بحق، وعندما تكون أفعاله مراقبة فإنه سيعلم أنه مغادر، وعندها سيمضي مرحلته ويسلّم زمام الأمور للقادم دون أن يجلس ليتربص ويراقب بعيونه في الموقع نفسه ليعدد أخطاء من جاء بعده..!

لنحاول مرة واحدة من تلقاء أنفسنا ألا نصدق المسؤول والوزير الذي يدّعي أنه لا حول له ولا قوة، فالوزارة ليست بتلبية الاحتياجات الخاصة وركوب السيارات الفارهة، وليست في تحقيق مصالح المسؤول ومن يلوذ به! وأظن أنه طوال مدة وجوده لم يرفع مقترحاً إيجابياً، ولو سألته فسيقول: لن يستجاب له! ودون أن يرفعه!

لنحاول ألا نصدقهم، فهم ليسوا كما يدّعون، وعند مصالحهم لديهم سيوف مصلتة، ويبطشون بطشاً فظيعاً وبحقد، وحين يتعلق الأمر بالمصلحة العامة والعمل والجهد يردّون الأمر إلى عجزهم، ومساكين يكتشفون فجأة أنهم كانوا دراويش!!

يترقب السوريون، ولكن جردة الحساب حتى للتصرفات الحاقدة هي الأكثر أهمية، والشخص يعود شخصاً وحيداً يقتله حقده وابتعاده عن حب الناس والأوطان.. المهم عند السوري شيء من التوازن بين الحياة وتكاليفها، ولا يتذكر السوريون الموجودين ولا السابقين إلا بقدر ما يتحملون المسؤولية ولا يتنصلون منها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن